الحضارة
السومرية
الفهرس
·
الفهرس
·
المقدمة
·
أين تقع سومر ؟
·
المسمى السومري ؟
·
ومن أين أتى السومريون؟
·
وما هي صفاتهم البيولوجية ؟
·
تضاريس سومر
·
البيئة المناخية
·
الموارد الطبيعية
·
أصول اللغة السومرية
·
انقراض الشعب السومري
·
النظام الكتابي
·
البدايات الأولى للمدن
·
تعريف المدن
·
المدينة السومرية
·
خصائص المدينة السومرية :
1. نظام الحكم
2. الجيش
3. الزراعة
4. الصناعة
5. التجارة
6. المعبد
7. الفكر الديني
8. الفكر العلمي
9. النظام الفني
10.
النظام الأدبي
·
الخاتمة
·
قائمة المصادر
المقدمة
يسعى هذا البحث إلى سبر أعماق التاريخي والوقوف على محطة من محطاته في لحظة
ولدت فيها أولى وأقدم الحضارات التي عرفها الإنسان ويتضمن البحث عدة نقاط جوهرية
من أين انحدر السومريون وما هي النظريات التي طرحت في إزاء هذا المحور ؟
ما هي صفاتهم وخصائصهم البيولوجية (الجسمانية) ؟
ما هي الخصائص المدنية التي تميزوا بها من أدب وعلم وفن وتجارة وصناعة
وزراعة ونظام حكم ونظام اجتماعي وديني واقتصادي ؟
ما هي المدينة ومفهوم التحضر لديهم وما هي أبرز ما يهتم به علم
الأنثروبولوجيا سواء الثقافية أو الحضرية ؟
ما هي لغتهم والنظام الكتابي لديهم وهل اللغة
المسمارية هي أولى اللغات ضمن السلالات الحضرية ؟
ويدرس البحث الموقع الجغرافي للمدن السومرية والطبيعة المناخية التي سادت
تلك الفترة والشكل التضاريسي لها . ومن أين أتت كلمة "سومريون" وما هي
اشتقاقاتها وأصولها . ومتى اندثرت الحضارة السومرية .
كل هذه الجوانب يتطرق لها البحث من أجل الإلمام بمعالم الحضارة السومرية من
ألفها إلى يائها متعرضة إلى البعد الزماني والمكاني والعامل البشري وعوامل مختلفة
صاغت وأرست بداية نهوض الحضارة السومرية ووضعت نهاية وحد لها أدى إلى انقراضها
واستبدالها بحضارات أخرى .
وهذا الاتجاه من البحث إنما يتعلق في واقعه بالدراسات ذات الصبغة الحضرية
التي يتناولها تخصص علم الأنثروبولوجيا الحضرية في إحدى أهم التسليطات التي تلقي
بظلالها على الخصائص الحضارية المختلفة في المراحل الزمنية المتعددة . لذلك ارتبط
هذا البحث بعناوينه وحيثياته بما يتلاءم مع المعطيات التي تنبثق من ذات البحث
الأنثروبولوجي وفروعه ، كالربط بين الحضارة ونشأة المدن وثقافة المجتمعات والجوانب
التي تتعلق بالعلوم الطبيعية والإنسانية والخصائص المعمارية والفنية والأدبية
....... وربطها بالجانب العقدي أو الديني والروحي لكل حضارة .
قصة السومريون
أين تقع سومر ؟ ومن أين أتى مسمى
السومريون ؟ ومن أين أتوا ؟ وما هي صفاتهم البيولوجية ؟
إن
إجابة السؤال "أين تقع سومر ؟" يعني الشروع في الموقع الجغرافي
الذي تقع فيه المدن السومرية وحضارتها . وكذلك التطرق إلى الخصائص المناخية
والشكل التضاريسي للمدن السومرية .
إن
بلاد سومر تقع في العراق وبالأخص جنوبها في الوادي الأسفل لنهري دجلة والفرات وإلى
جنوبها أما الجهة الغربية لسومر فتقع "الصحراء الغربية والخليج العربي الذي
يمتد في أيام سومر المبركة شمالي مجاورات أريدو، وربما كان نهر دجلة يكون أصلا
حداً طبيعياً من ناحية الشرق" (محمد مهران ، 1990 ، ص : 85) .
وبلاد سومر تمتد ما بين النهرين دجلة والفرات
وهما في الواقع أبرز طريق جامع بين آسيا الصغرى والخليج العربي " ويشكلان
حوضاً يمتد شرقاً إلى مرتفعات عيلام التي يسيل فيها كارون وخركا اللذان يبلغان
هضاب إيران وبلاد الهند، كما يتصل ببلاد زغروس ، التي تمر خلالها روافد دجلة، وبها
يتم الاتصال بإقليم قزوين . أما إلى الغرب فتنتشر الصحراء السورية" (بيرين
جاك ، 1999، ص : 17) .
أما
تضاريس سومر والبيئة المناخية ومواردها الطبيعية فإن سومر كانت ترتوي من النهرين حيث كانت أرض
سهلية جرداء تشكلت معالمها من الطمي ، وهي إلى ذلك كانت ذات حرارة وجفاف عاليين
وبفضل مياه الري وبتأثير الرسوب تحولت أراضيها إلى أراضي خصبة ، وكانت سومر ذي
جبال وهضاب عالية من جهة الشمال أما السهل الشاسع فكان يقع في وسطها وجنوبها إلى
جانب الهضاب الصحراوية جهة الغرب ، وما استقامة واستصلاح الزراعة إلا بفضل النهرين
العظيمين .
"وعند
الطرف الجنوبي ، بيئة يسودها المناخ الحارّ والجاف"(بيرين جاك بيرين جاك ،
1999، ص : 22) . حيث تصعب الزراعة وتنعدم إلا بفضل وسائل الري التي أولدت سومر
.
انتشر
في سومر نباتات القصب وامتلأت مياهها بالمواد المائية كالأسماك الذي كانوا يصدرونه
إلى الخليج العربي أما البراري فاكتظت بالطيور والخنازير البرية وأشجار النخيل
بمثارها الغنية والكثيفة .
·
من أين أتى مسمى السومريون ؟
لم
يكن هناك حد فاصل طبيعي بين سومر وأكد ، فالقسم الشمالي الشرقي يحمل مسمى
"أكد" والقسم الجنوني وبالتحديد عند رأس الخليج العربي يُعرف باسم
"سومر" .
تشير
البحوث والدراسات بشكل تقريبي والمتمثلة في النصوص العراقية القديمة أن الظهور
الأول لاسم سومر يرجع إلى عهد ملك أور وهؤلاء أطلقوا على أنفسهم لقب "ملوك
سومر وأكد" حيث ترجمه الأكديون لاحقاً إلى لغتهم .
"وفي
عام 1869 م ذهب بعض الباحثين إلى أن كلمة "أكد" في لقب "ملك سومر
وأكد" إنما تعني تلك الأقوام التي تتلكم لغة سامية ، سواء كانوا أكديين أم
بابليين أم أشوريين ، بينما تدل كلمة "سمور" في اللقب ذاته على أولئك
الذي تعود إليهم النصوص المدونة باللغة غير السامية" (محمد مهران ، 1990 ،
ص :86) .
وكانت
سومر أو شومر تعني "البلاد" و "الأرض" . كما في نصوص
"أياناتوم" و "لوجال زاجيزي" و "أنشاج كوشانا" . (محمد
مهران ، 1990) .
ومن
الطريف ذكره أن عدم ذكر كلمة سومر في الكتب السماوية وخاصة التوراة دفع بعض
المستشرقين لإيجاد مفردات تمثل اشتقاقاً لـ "السومريون" حيث نشر أستاذ
السومريات الدكتور "بويل" عام 1941 م بحثاً يثبت من خلاله أن الاسم
العبرية "سام" وكذلك العربية وهي مشتقة كلمة "سومر" ودعم هذا
الرأي الدكتور "كريمر" عام 1963 م أي بعد مضي ربع قرن "أن
السومريون يميلون إلى إسقاط الحرف الصحيح من آخر الكلمة (وهو هنا حرف "R"
في Shumer) عندما لا
تكون الكلمة متبوعة بحرف علة (a
مثلاً)" (فاضل علي ، 1996، ص :20) .
·
من أين أتى السومريون ؟
لم
يجتمع العلماء على رأي واحد حول الموطن الذي أتى منه السومريون بل تفرقوا إلى سبعة
فرق يتشضى منهم سبعة آراء .
"الرأي
الأول : أن السومريون أتوى عن طريق البحر إلى جنوب بلاد النهرين في عصر العبيد
وأنهم من سكن دلمون وهي البحرين اليوم والتي بلا شك تحتل أهمية كبيرة في التراث
السومري . ومن ثم نزحوا إلى الشمال باتجاه الجنوب من وادي الرافدين .
الرأي
الثاني : يذهب إلى أن السومريون كانوا يقطنون وراء القوقاز أو وراء قزوين ،
ومن ثم زحفوا إلى مناطق الغربية من إيران في العصر العبيدي وأوائل الوركاء .
الرأي
الثالث : يذهب أصحابه "روتزني" أن قدوم السومريون قد أتى بسبب موجة
الهجري التي أتت من آسيا الصغرى .
الرأي
الرابع : يقول أن السومريون أتوا من المرتفعات الشمالية والشمالية الشرقية عن
طريق أرمينيا وإيران.
الرأي
الخامس : يقرر أن السومريون "إنما كانوا شعباً جبلياً مقاتلاً، فرض نفسه
عن طريق الحروب، وتسود البلاد ، أما المنطقة التي وفد منها هؤلاء السومريون فلم
تكن التخوم الغربية لجنوب السهل الميزوبوتامي ... وإنما هو المنطقة الشمالية من
التخوم _جنوب ديالي) وهي منطقة متفوقة حضارياً" (محمد مهران ، 1990 ،
ص : 90) .
الرأي
السادس : يتقارب مع الرأي الأول في أن السومريون هاجروا من المنطقة التي كانت
تقع فيما بين شمال الهند وبين أفغانستان وبلوخستان ومن ثم استقروا حينا من الزمن
في غرب إيران حتى نزحوا في فترة أخرى إلى بلاد النهرين عن طريق الخليج العربي
وجزره البحرية . (محمد مهران ، 1990) .
الرأي
السابع : ويتبناه المؤرخين العراقيين إلى أن السومريين في الأساس قد قطنت
العراق في عصور ما قبل التاريخ، وأن الحضارة الأصلية لهم هي العراق حتى ذهبوا
بإمكان تسمية حضارة العبيد بالسومريين وأنهم امتداد إلى الأقوام في عصور ما قبل
التاريخ في بلاد ما بين النهرين وهم قد انحدروا من شمال العراق إلى جنوبه ومن ثم
استوطنوا سومر . (محمد مهران ، 1990) .
·
ما هي الصفات البيولوجية (الجسمانية) للشعب
السومري ؟
تشير
الحفريات الأثرية والهياكل العظمية المكتشفة القليلة بأن الرأس السومري كان طويلا
بحيث لا يشبه الصور السومرية المنحوتة على اللوحات والتماثيل والمسلاّت حيث يظهر
فيها الرأس بالحجم الصغير "والجبهة تكاد تكون محجوبة ، وأنفه ناتئا يستر أغلب
الوجه" (بيرين جاك ، 1999، ص : 34) .
فلون
بشرتهم كانت حنطية والفك بارز وعظامهم كانت غليظة أما سكان الجبال منهم فكانوا
أصحاب جباه عريضة . إضافة أن الشعب السومري كانت ذو قامة قصيرة ووجه مستدير وبعدهم
عن وضع اللحية والشارب .
اللغة السومرية
أصول اللغة السومرية – انقراض الشعب السومري-
نظام الكتابة
عززت
البعثة الفرنسية في مدينو "تلو" وحفريات بنسلفانيا في "نفر"
ضمن آلاف الوثائق المسمارية التي ترتبط بالسومرييون أنهم أول من استخدم واستعمل
الخط المسماري في تدوين لغتهم المتداولة آنذاك . (بيرين جاك ، 1999) .
ورغم
انقراض الحضارة السومرية ابتداءً من العصر البابلي بانهيار آخر سلالة
"أور" من سومر وهي السلالة الثالثة في حدود الألف الثاني ق.م ، إلا أن
السومريون لم ينمحوا من ذاكرة البابليين بحيث ارتأت الحضارة البابلية ضرورة الحفاظ
على التراث السومري ، بحيث شرعوا في الاهتمام باللغة السومرية ودراستها إلى جانب
اللغة البابلية وهذا الأمر استمر فترة طويلة من الزمن . وتركزت في الغالب حول
الجانب الديني .
ومن
الثابت في الدراسات التاريخية واللغوية وفي المراجع المختلفة ، أن اللغة السومرية لا
ترجع ولا تنتسب إلى أي أسرة من الأسر اللغوية الثلاثة المعروفة (السامية ، الحامية
، الهندية الأوروبية) مما أدى إلى الاستقرار بالرأي أن اللغة السومرية لم تتصل بأي
من اللغات الباقية مثل الصينية والثبتية و الدرافيدية والمجرية والأفريقية
والهندية الأمريكية ولغات جزر المحيط الهادي .
إلى جانب
ذلك أن اللغة السومرية هي لغة ملصقة ، ذات مقطع واحد رمزية ، فهي بذلك غير
اشتقاقية كما هي اللغات السامية والتي تقوم بدمج مفردتين أو أكثر لتنتج كلمة واحدة
.
وتشير
البحوث والدراسات أن السومريون قد استهلوا الصور في بادئ أمرهم ومن ثم تطوروا إلى
استخدام النظام الرمزي للدلالة على الأشياء المختلفة (المعينة) ، وقد استخدموا
"الطين اللزج في أول الأمر ، ثم حفروها في الطين ، بعصا على شكل الاسفين .
وهو الشكل الذي منح هذا الخط اسمه فكان "الخط المسماري" ...وقد دوّنوا
كتاباتهم ضمن ألواح " (بيرين جاك ، 1999، ص : 72) .
أما
النظام الصوتي ونشأت الحروف الصوتية فولدت مطلع الجيل الثالث فغدت الكتابة ذات صوت
مما سّهل تأليف الكلمات الجديدة بدلاَ من المقاطع .
لقد تم
تدريس اللغة الأكدية السامية من خلال الكتابة السومرية ففقدت العلامات السومرية
أهم معانيها وأصواتها الخاصة مما أعطى الأكدية ميزة عن السومرية من خلال أسلوبها
الفريد في الحركات .
أما
الكتابة المسمارية عند السومرية فكانوا يدونون الحروف بالقلم الموشوري المثلث على
الألواح الطينية بأشكال عمودية تمتد من جهة اليسار إلى اليمين ومن ثم من جهة
اليمين إلى جهة اليسار على الوجه الثاني من اللوح وكل هذا كان من 3500 ق.م حتى 500
ق.م (بيرين جاك ، 1999) .
بدايات المدن
البدايات الأولى- تعريف المدن-
المدينة السومرية
نهضت
البحوث العلمية على أقدامها في البحث التاريخي عن المدن في القرن العشرون والتي
اختزل باحثوها ما يتعلق بالمدن في عدة أسالة :
· متى ظهرت المدن الأولى ؟
· أين ظهرت تلك المدن ؟
· كيف بنيت هذه المدن ؟ وكيف كانت ؟
إن
البحث في ثنايا هذه الأسئلة لا بد وأن يقودنا إلى أعماق العصور السالفة والبذرات
الأولى لهذه المدن من الحضارات الأولى في التاريخ البشري . وبما أن البحث يتعلق بالحضارة
السومرية فلن نتطرق إلى تفاصيل كل الحضارات وسيتم الاكتفاء بالوقوف على المحطة
التاريخية لمدينة سومر من ضمن سلسلة الحضارات المتتالية .
تتلخص
البحوث أو لنقل الأغلبية الساحقة من الدراسات التي تتعلق بالتاريخ القديم للحضارات
الأولى أن المدن الأولى التي سطع نورها كانت جهت الشرق الأوسط قبل 3000 – 3500 قبل
الميلاد ما بين النهرين مولد الحضارة السومرية . ثم مصر في وادي النيل والهند
(موهنجو) .
وجرى
الجدال بين العلماء حول أصول هذه الحضارات خاصة الحضارة السومرية هل نبعت ثقافتها
وأصولها من ثقافات أولى أقدم منها ؟ أم كانت هي اللبنات الأولى ومهد الحضارات
الأولى .
تكاثفت
البحوث السوفيتية والأجنبية حول بدايات المدن الأولى والمقارنة فيما بينها مثل
أمريكا والدول الطبقية المبكرة ما بين النهرين ومصر ومناطق أخرى من العالم القديم
.
وتضمنت
الدراسات كما سيأتي تفصيلاً في اللغة السومرية أن السومريون والمدن السومرية هي البدايات الأولى للحضارات
والمدن إذ لم تشتق حضارتهم من حضارات أخرى بل كانوا هم المؤسسين والانطلاقة الأولى
لبقية الحضارات والمدن والنظام الحرفي والتجاري والصناعي والاقتصادي فيها .
·
إذن ما هو مفهوم المدن ؟ وما هي خصائص
المدينة السومرية ؟
إن
تعريف المدينة في الواقع سوف يمهد إلى الولوج في خصائص المدينة السومرية ومطابقة
تلك المفاهيم النظرية مع الواقع السومري .
لم
ينشأ مفهوم المدينة مستقلاً بذاته ، بل تعاريفه المختلفة نبعت من الدراسات
التاريخية لخصائص المدن القديمة والحديثة والتي مهّدت لولادة مصطلحات مختلفة وفقاً
للأنظمة الاقتصادية والتجارية والفنية (العمارة) والدينية التي مارستها الحضارات
السابقة في مدنها وعلى أساسها نشأت عدة من التعاريف نسلط الضوء عليها .
إن
علماء السوفييت والأجانب أعطوا للمدينة المبكرة دلالة للمركزية الحرفية والتجارية
حيث الغالبية من سكان المدن آنذاك لم يعتمدوا على الإنتاج المباشر للأغذية بمعنى
عدم ممارستهم الزراعة وتربية الحيوانات .
لذلك
يُعرّف العالم الأمريكي "شوبيرغ" المدينة بأنها التي "تجمع كبير
الحجم الذي يُوفرّ الملجأ لجملة من الاختصاصيين غير الزراعين ، ومن بينهم الصفوة
المتعلمة" (غولايف، 1989 ، ص :12) .
أما
العالم الأمريكي "ماير واكس" فيميل إلى "شوبيرغ" فالمدينة
وسكانها بغض النظر إلى حجم المدينة لا يرتبطون بالزراعة .
ويسند
هذا التعريف الموسوعة السوفيتية الكبرى للمدينة قائلة "يعمل سكانها في
الصناعة والتجارة بصورة رئيسية، وكذلك في مجالات الخدمات والإدارة والعلم
والثقافة" (غولايف، 1989 ، ص :12) .
ولا
يخالف العالم النمساوي "فيبر" وجهات النظر الأولى حيث المدينة في مفهومه
الاقتصادية البحتة المكان الذي لا يعيش معظم سكانه على العمل الزراعي وإنما
يحترفون الصناعة والتجارة .
أما
العلماء الذي درسوا الحضارات الشرقية القديمة مثل "ماسون" فهو يرى أن
المدينة "مستوطنة كبيرة ومركز منطقة زراعية ومركز إنتاج حرفي وتجارة داخلية
وخارجية على حد سواء" (غولايف، 1989 ، ص :13) .
ويقول
ماركس عن المدينة بأنها "التركز في المدينة التي تضم أراضيها الريف المجاور؛
الزراعة الصغيرة العاملة للمستهلك مباشرة، الصناعة كعمل ثانوي بيتي للنساء
والفتيات (الغزل والنسج) أو كصناعة لم تنفرد إلا في فروع مستقلة معينة للإنتاج
(الحرفيون) . " (غولايف، 1989 ، ص :14) .
وهنا
نرى إدخال عمال الزراعة في التعاريف التي تتعلق بالمدن الأوروبية في الأزمنة
القديمة وأواخر القرون الوسطى فماركس يعتبر المدينة مكان لاستيطان المزارعين من
قبل مُلاّك الأراضي .
أما
"دياكونوف" الذي درس المدن البابلية الأولى فهي تمثل لديه "مركز
للمنطقة المجاورة المأهولة التي تنجذب إليه : المدينة مركز للمنطقة المجاورة من
الناحية السياسية باعتبارها قلب هيئات الإدارة الذاتية للطوائف ومقر إدارة الدولة
والمدينة ، أخيراً مركز لها من الناحية الأيديولوجية" (غولايف، 1989 ، ص :15)
.
أما
المستشرق الأمريكي "فرانكفورت" فيعرف المدينة الشرقية القديمة قائلاً :
"أن المدن بالمعنى الخاص للكلمة لا تتكون هنا إلى جانب القرى إلا حيث يكون
مواتيا للتجارة الخارجية أو حيث يقايض رئيس الدولة وطغاته دخلهم بالعمل منفقين هذا
الدخل كاحتياطي للعمل لا يمكن هنا النظر إلى المدن الكبرى إلا كمعسكرات للملوك ،
كورم على النظام الاقتصادي بالمعنى الخاص"
(غولايف، 1989 ، ص :16) .
على
ضوء هذه التعاريف التي تجمع بين الزراعة والصناعة والتجارة والزراعة والقوانين
والنظم الإدارية وسلطة الحاكم والمركز الديني والقوة العسكرية ... سوف ندرس خصائص
المدينة السومرية وفقاً للتعاريف السابقة من حيث نظامها الديني (المعابد) والقوة
العسكرية والنظام الإداري والاجتماعي والزراعي والحرف والفنون التي انتشرت في تلك
الحقبة .
·
خصائص المدينة السومرية
قبل
الحديث عن المدينة خصائص المدينة السومرية ووظائفها ونظامها الاجتماعي والتربوي
سنمر سريعاً على الجهات الجغرافية للمدن السومرية . وأهم المدن السومرية (أدب ،
لجش ، زمبير ، أور ، الوركاء ، لارسه) ومن جهة تقسيم المدن السومرية فهي كالتالي :
أ-مدن الجنوب في سومر : وتتألف من ثمانية مدن وهي (زبالم ، أوما ، شروباك ،
أريدو ، كولاب ، كيرسو ، نينوى ، سرغل )
ب- المدن الوسطى في سومر : وتتألف من خمسة مدن وهي (كش ، نفر ، إيسن ، لارّك ،
مَرَد) (غولايف ، 1989) .
أما
تخطيط المدينة السومرية وبنيتها فهي تعكس ثقافة المجتمع السومري آنذاك
والمستوى الحضاري الذي تميز به الشعب السومري قبل 3000 سنة ق.م حيث المدينة
السومرية تعتبر مدينة نموذجية من ناحية التخطيط العمراني فهي تتكون من ثلاثة أجزاء
1- المدينة الداخلية .
2- الضواحي والتخوم (المدينة الخارجية) .
3- الميناء .
ومن
الناحية التفصيلية فإن الأراضي السومرية كانت محاطة "بسور يقع فيها المعبد أو
المعابد والقصر مع مقار الحاشية ومساكن أهل المدينة" (غولايف، 1989 ، ص :73)
.
وكانت
المدن تقسم بين كبرى وصغرى ؛ فالكبرى توجد بها عدة بوابات وإدارة مركز المدينة تقع
عند البوابات حيث يجري فيها اجتماعات سكان المدينة ويباشر حاكم المدينة سطلته
ومهامه المناطة به ، أما كل بوابة من البوابات فكانت الأحياء ترتبط وتلتحق بها .
أما
الضواحي أو المدن الخارجية المحيطة بالمدن الكبرى (الأم) فكانت موضعاً للبيوت
المراعي والحقول والمزارع ومخازن تأمين المواد الغذائية والخامات للمدينة .
أما
القسم الأهم في المدينة فهي منطقة العسكر أو الحرس "وهو مركز النشاط التجاري
ولا سيما المرتبط بالتجارة الخارجية" (غولايف، 1989 ، ص :73) .
تؤكد البحوث الأثرية مضافاً لها النصوص
المسمارية على أن كل مدينة سومرية كانت تحتوي على قطاع مقدس ويتصف بسور يحيط به
ومفصول عن غيره من الأبنية حيث تتركز فيه معابد الآلهة وقصر الحاكم ، وكانت البيوت
(الأحياء السكنية) تجتمع وتحيط بالقطاع المقدس الذي كان يطلق عليه
"تيمينوس" وهذه الأحياء السكنية كانت خاصة بطبقة معينة من أهالي المدينة
. (غولايف ، 1989) .
أما
البيت السومري فكان يتألف من عدة غرف "تحيط بباحة [ساحة] داخلية مكشوفة ،
وكان سكان المدينة الميسورون يملكون بيوتا من طابقين يحتوي كل منها على أكثر من
عشر غرف"( غولايف، 1989 ، ص :75) .
والشوارع
السومرية التي كشفت عنها التنقيبات الأثرية خاصة مدينة "أور" تشير أن
السومريون كانوا يحرصون على أن يكون عرض الشوارع واحداً وأن تكون التقاطعات فيها
قائمة الزوايا حيث تنعطف الشوارع بشكل مفاجأ من هنا وهناك .
أما
حجم المدن السومرية وعدد سكانها فتشير النصوص القديمة لما بين النهرين كما
تكشف حفريات الأحياء السكنية "أور" و "أشنونا" و
"خفاجي" أن في كل 50 هكتاراً يوجد بيتاً وبالتالي يوجد في كل 200 متر
مربع بيتاً واحداً . وتقول الافتراضات أن في كل بيت كان يقطن ما بين 6-10 أشخاص
بما في ذلك الأطفال والخدم أي أن متوسط الكثافة السكانية في المدينة يعادل تقريباً
من 300 – 500 شخص في كل هكتار من الأراضي المبنية . (غولايف ، 1989) .
وعبر
الحسابات التقريبية يتبين حجم أو مساحة المدن السومرية (ضرب كل هكتار في 400 متر)
، فأور كانت مساحتها 89 هكتار ويقطنها 3400 نسمة ، أما "لكش" فكان عدد
سكانها 1900 نسمة ، و "أورك" عبر الحسابات يتضح أنها كانت أكبر المدن
السومرية إذ كانت مساحتها تبلغ 440 هكتار وسكانها كانوا يتراوحون ما بين 75000 إلى
200000 نسمة . "( غولايف، 1989 ، ص :75) .
خصائص المدينة السومرية
(نظام الحكم – الجيش- الزراعة – الصناعة –
التجارة – المعبد – الفكر الديني– الفكر العلمي – النظام الفني – النظام الأدبي)
·
نظام الحكم
يتضح
من خلال البحوث والدراسات أن النظام الحاكم في العراق ارتبط بالنظام الملكي وهذا
كان في الفترة الزمنية قبل العصر السومري ، والسومريون بدورهم قد ارتبطوا بهذا
النظام الملكي في تبنيه وربطه بالنصوص السومرية التي كانت تعتقد بارتباط النظام
الملكي بالقوى الالهية . وأنها نازلة من السماء . وبعد حادثة طوفان النبي نوح عليه
السلام نزلت الملكية مرة أخرى من السماء بحسب النصوص السومرية .
"ويستدل
من دراسة وثيقة قائمة الملوك السومرية ونصوص الملك "أيتانا" على قيام
الملكية العراقية القديمة قبل بداية العصر التاريخي، وعلى أنها نزلت من السماء حيث
فوضت الآلهة الملوك بأن يكونوا رعاة للبشر بالنيابة عنهم . ولقد كان إيمان الإنسان
السومري بنزول الملكية من السماء يعني في الواقع أن الملكية هي التي نزلت من
السماء وليس الملك وبذلك لم ينظر إلى الملك العراقي كإله ومن أجل ذلك كان المالك لا
يقوم بأي نشاط مهما كانت طبيعته إلا بعد استشارة إلهه " (نبيلة عبدالحليم،
1994 ، ص : 60) .
أما
مجلس الشيوخ في المدينة السومرية والذي أوكل إليهم شؤون العامة لم يكونوا من
الطبقة الاجتماعية الفقيرة بل كانوا من كبار رؤساء العوائل حيث كان يشار إليهم في
سومر بكلمة "أبا" Abba
. (نبيلة عبدالحليم ، 1994) .
وأما
الديموقراطية فكان هو الرابط بين مجلس الشيوخ والتنظيمات الاجتماعية . ولكل مدينة
سومرية أسرة ملكية تحكمها ، والنظام الملكي العراقي ارتبط ارتباطاً وثيقاً
بالتنظيم السياسي السومري ، ومن أهم مميزات النظام السياسي السومري "تكوين
جمعية عمومية لمواطني المدينة . وكانت وظيفة الجمعية العمومية تتضمن اختيار الملك
الذي يرأس حكومة المدينة ... وقد كان اختيار الملك عن طريق الجمعية العمومية في
دويلة المدينة"( نبيلة عبدالحليم، 1994 ، : ص : 62) .
وفي
أحوال استثنائية مثل الحروب ولعدم الاستقرار السياسي كان يتم انتخاب الملك ولكثرة
الحروب أدى ذلك إلى اشتعال فتيل الصراع على نظام الملكية العراقية الذي آل إلى
انفلات الاستقرار في النظام الديموقراطي . وهذا يعرفنا على أبرز الأسباب التي منعت
نظام الحكم السومري من النمو التطور .
وعندما
استلزمت الظروف السياسية إيجاد المزيد من القيادة الحازمة أكثر من الحاجة للجمعية
العمومية للمواطنين في المدينة السومرية أنتج ذلك تجميع كل السلطات في يد الملك
فحوّلت الجمعية العمومية نشاطها إلى مجالس للشؤون القضائية والتشريعية .
·
الجيش السومري
لوحة الملك
"إيناتوم" من النماذج التي تعبر عن أنواع الأسلحة المستخدمة وطريقة
الحروب آنذاك وعن نظام الجيش السومري الذي يعتبر من أقدم الجيوش الحربية في حضارات
الشرق الأدنى القديم .
فضلا
أن النقوش التي عُثر في "أور" من المقابر الملكية يلاحظ فيها العربات
ووجود عجلات صلبة ومن ثم تطورت تقريبا في الألف الثاني إلى عجلات سريعة تستخدم في
أغراض مختلفة غير الحرب مثل المواصلات .
أما
مكونات الجيش السومري فقد كان يتألف من فرقتين "فرقة المشاة ، وفرقة العربات
الحربية"( نبيلة عبدالحليم ، 1994 ، ص :72) .
ولباس
الجيش فكانوا يرتدون ما يسمى النقبة التي تغطي أجسامهم من الوسط وخوذات معدنية
لحماية الرأس ، وكانوا يحتمون من أسلحة الأعداء بدروع ، ولا يخفى أن استخدام
المعادن في الحروب كانت من أقدم المحاولات لاستخدام المعادن في الحروب والتي هدت
الإنسان في مراحل متقدمة إلى صناعة العربات الحربية المصنوعة من الحديد الصلب .
والمشاة
كانوا ينقسمون هم الآخرون إلى قسمين ؛ قسمن يدخل المعركة وقسم مناط له دور مطاردة
العدو، أما عن صفات أسلحتهم فكانت الخنجر الطويل والحربة والسهام والفأس والمطرقة
.
ولم
يقتصر دور الجنود في المشاركة الحربية بل في الأمور السلمية داخل المدينة إلى جانب
المحافظة على الملك والنظام في المدن السومرية لذلك كان الجيش السومري يلقى
احتراما وحباً كبيرين من قبل الشعب السومري .
·
النظام الزراعي
مدينة
سومر كانت بقرب الأنهار والبحيرات في الخليج العربي ووادي الرافدين وكان استقرار
الحضارة السومرية بقرب المسطحات المائية والأنهار عاملاً مهما في النهضة الزراعية
لهم وممارسة الفلاحة ، فظهرت عندهم الحبوب كالبقول وأشجار من النخيل والسمسم ،
وأصناف الخضروات والجعة والخمر والسمك والبلح والتين والكروم والتوت والتفاح، وكان
الشعير هو المورد الأساسي لهم .
وسبب
انتشار الأكواخ المكونة من القرميد واللبن بين بغداد ومصب النهرين وضغط المياه هو
الآخر أدى إلى إقامة جسور وتوزيع المياه من خلال قنوات الري ومن ثم حصاد الحبوب
واللافت هنا أن أعظم وأضخم ما يميز منتجات الحضارة السومرية هي نظام الري لديهم .
ولأهمية
الزراعة كانت هناك مهام تلقى على عاتق حاكم المدينة لحماية نظام الري والقنوات
والجسور المنشأة بهدف حمايتها وضمان استمرارها وبغية متابعة عملها وعدم توقفها
لتجنب المجاعات والشح في المحاصيل .
والأبرز
الذي ذكر في البحوث والدراسات وجود بحث في الألف الثالث ق.م تم إعداده باللغة
السومرية يتناول الزراعة ويشرح خصائص التربة والنباتات الزراعية ... "ويروي
هيرودتس وسترابون أن غلّة الحبوب عادلت 200 أو 300 للوحدة" (بيرين جاك ،
1999، ص : 66) .
أما
الثيران والحمير فقد استخدموا لعمليات الحراثة إلى جانب الأدوات البدائية في
الزراعة .
·
النظام الصناعي
يمكن
أن نطلق على النظام الصناعي في الحضارة السومرية في الألف الثالث قبل الميلاد
بأنها الثورة الصناعية الأولى وعصر الاكتشافات الحديثة الأولى بسبب كثرة
الاختراعات والتقنيات الصناعية المتطورة في زمنهم والتي لم يهتدي إليها من قبلهم
بل مارسها اللاحقون من بعدهم بعد حوالي ألف سنة في الصين وبريطانيا .
لقد
ازدهرت الصناعة في الحضارة السومرية بشكل كبير جداً حيث أنهم أدركوا أهمية التخصص
وهو ما تكرر في الثورة الصناعية الحديثة التي أدركت هي الأخرى ضرورة وأهمية التخصص
في المجالات العلمية المختلفة . لذلك كانت صناعة النسيج يشرف ويقوم عليها ثلاثة
مجموعات من العاملات .
لقد
عرف السومريون النحاس وطرق تطريقه وصبه واكتشاف البرونز ، أما أسلحتهم فكانت
مصنوعة من الناحس وانجر ذلك على الآلات المختلفة والأدوات التي تصنع للزينة . وصناعة
الجعة في المعابد .
لقد
اكتشفوا الدولاب الخزفي والأختام والآجر والعربات ذات الدواليب ، والستائر والسجاد
والمجوهرات والتماثيل . والأجمل من ذلك قيامهم باستخدام قوة الرياح في النقل
المائي .
·
النظام التجاري
انعش
التطور الصناعي طبيعيا الاقتصاد السومري فاتسعت رقعت التجارة مع الشعوب الأخرى في
آسيا الغربية ، أي أن المدن السومرية أصبحت تتبنى التصدير للمدن الأخرى المجاورة
بل امتدت تجارتهم إلى أبعد من ذلك فإلى البحر المتوسط مرورا بنهر السند الذين
استوردوا الأواني والخرز . وكذلك صدروا الأدوات المعدنية والمنسوجات الصوفية
والحبوب ، وقد التقت التجارة السومرية مع التجارة في الحضارة المصرية في الغرب
"وكانت الحضارتان متشابهتي الانتاج ، مثل دبوس القتال الذي كان على صورة
الإجاصة، والأختام السلطانية والاستناد إلى الحيوانات" (بيرين جاك ، 1999،
ص : 67) .
دعت
الحكومة السومرية التجار إلى توثيق المعاملات التجارية عن طريق حفر البيانات
المهمة على نباتات فوق سطح مستو من قطعة الطين اللين ومن ثم حرقه في الأفران
ليغدوا لوحة فخارية ثابتة مع مرور الأيام .
لم تكتف
الحضارة السومرية في نظامها التجاري على التصدير فقط بل استوردت من أراضي بعيدة
عنها كعمان والجبال الشرقية حيث استوردوا منهم النحاس وأفضل أنواع الحجارة ،
وجلبوا القدير من آسيا الصغرى وأوروبا وإيران وسوريا .
أما
الأخشاب فقد استوردوها من الجبال الشمالية الشرقية والرصاص والفضة من جابل طورس ،
وباكستان استوردوا منها الأحجار الكريمة وعرق اللؤلؤ من الخليج والأصداف من الهند
والخليج .
·
المعابد في المدن السومرية
نتذكر
عندما نقرأ عن المعابد في المدن السومرية فإننا نتذكر المعابد في إيطاليا أبان
العصور الوسطى حيث يتشابه التقسيم الطبقي وأصبح المعبد الذي يقع بين البيوت وفي
وسط المدينة الركيزة الاقتصادية ومحور النشاط الفكري والاجتماعي والفني من جهة
العمارة وهو ما يعرف "بالزقورة" وهو البرج العالي في المعبد والتي كانت
تتكون من مصاطب ضخمة (درج) يرتفع بعضها فوق بعض وتصغر تلك المدرجات بمقدار علوها . وارتبط بناء الزقورة المكون من خمسة أو ستة طبقات بالمعتقد الذي يربط الأرض
بالسماء وحاكم المدينة بحاكم الإله وفي
أعلاها هيكل الإله . إلى جانب استعمال تلك المعابد في المجالات
العلمية مثل رصد الكواكب (مراصد) . (بيرين جاك ، 1999) .
لقد كانت
المعابد في سومر تٌحلى بالذهب والرخام والأحجار الكريمة وبناءه من القرميد ، أما
تزيين الجدران والفجوات في المسافات بشكل منتظم ودقيق باعتماد العمود ونصف العمود
والأغطية المتشكلة من الألوان والمخاريط المرسومة على الطيب اللزج والحصى والتي
تحمل تصورات مختلفة على البحر والحيوانات ، وتنوع الأشكال الهندسية لدليل كبير جدا
على تقدم الفن والعمارة في ذلك العصر .
أما
المعبد فقد كان "ثرياً بالأراضي الشاسعة التي لم يكن يحاز بيعها أو رهنها أو
سلبها .. وقسم فيه كان أسياد المعبد يستثمرونه مباشرة لتلبية احتياجات المقيمين
فيه . وكانت المعابد تسهم في دفع ديات فداء الأسرى ممن يعجزون عن ذلك . وكانت تعين
السكان إبان الكوارث ، كما كانت تبذل أجوراً زهيدة للخبازين وبقية الصناع بكميات
من الشعير." (بيرين جاك ، 1999، ص : 70) .
تم نصب
معابد في كل مدينة وبالتالي وجود عدد كبير من الكهنة ، أما مداخل المعابد فكانت
واسعة ومزخرفة ومزينة بالرسوم والتشابه بين النظام المعماري للمعبد والقلعة
احتمالية استخدام الأخير كحصون في حالة الحرب . وإحاطة المعبد بالنحاسين والنقاشين
والخبازين وصانعي الأسلحة وسابكي المعادن وغيرهم من الموظفين وأدوات الزراعة وأماكن
لتدجين وتناسل الحيوانات (وسط المدينة) دليلا على كون المعبد مركزاً اقتصاديا ضخما
واجتماعيا . فالمعابد كانت تدير أملاك الناس بطريقة مربحة لهم (بمعنى أن الكهنة
كانت تحكم الناس) ومن ثم تنتج لهم عوامل الترف وسلع تستخدم في التجارة . .
·
الفكر الديني
آمن السومريون
في معتقداتهم بوجود عدة من الآلهة ذي الأدوار المتعددة والتي ارتبطت في العديد من
الوظائف المتعلقة بالظواهر الطبيعية ، فهناك آلهة تدير النظام الكوني وهناك آلهة
ترعى خصوبة الأرض من أجل تحقيق الاستمرار البشري وفي المقابل توجد آلهة تمثل أصل
العذاب الإنساني وآلمه حين تنزل الصواعق وتبيد المزروعات .
على ضوء
ذلك فإن السومريون آمنوا بوجود قوة عظمى لها القدرة على إدارة هذا العالم وتسييره
وتنظيمه وتدبير شؤونه ، لذلك يسعى
السومريون لاسترضاء الآلهة والتقرب منها وكسب محبتها وودها وانعكس ذلك على السلوك
السومري بحيث قدموا القاربين وشُيّدت المعابد وأصبح للكاهن والمعبد سلطتين (دينية
ومدنية) . ومع مرور الزمن تخلى الكاهن عن الدور المدني وتركزت مهامه في الأدوار
الدينية فقط .
أما توزيع
الآلهة، فكانت لكل مدينة أو حي أو قرية إله أو عدة آلهة تمثل رمز الحفظ والصيانة
لتلك المنطقة أو الرقعة الجغرافية . "وكان لهم علم كوني اعتبروا فيه البحر
الأول أقدم الموجودات؛ فهو العلة الأولى، ومنه نشأ الكون الذي شمل السماء قائمة
فوق الأرض ومتصلة بها . وكان الغلاف الفاصل بينهما يهتز ويمتد . فوجد الهواء ومنه
تكونت الأجسام المنيرة مثل القمر والكواكب والنجوم . ثم وجد الحيوان والإنسان
." (بيرين جاك ، 1999، ص : 74) .
فالسومريون
الذين اعتقدوا بأن العالم تدار شؤونه من قبل آلهة تشرف على السماوات والأرض والهواء
والبحار والشمس والقمر والكواكب والعواصف والأعاصير والحقول وأقنية الري وفق أصول
وسنن تم رسمها بإحكام . كانوا يعتقدون بوجود أربعة آلهة يتصرفون بالعناصر الأربعة
الأساسية متوزعة على السماء والأرض والهواء والبحر . ومسمياتها باللغة السومرية
(أن ، كي ، أنليل ، أنكي) . (بيرين جاك ، 1999 ) .
وذهب
السومريون أن مادة خلق الإنسان من طين
والهدف الوحيد من خلقه هو خدمة تلك الآلهة عن طريق تقديم القرابين وبناء المساكن
لها حتى تتفرغ الك الآلهة لأمورها ووظائفها الإلهية .
أما
الآلهة الأم في الحضارة السومرية قدرة وهيمنة على جميع الآلهة التي قد تكون مجموعة
من العراقيل في وجهها .وكان الحاكم يعتبر نفسه رسولاً لتلك الآلهة أما دينهم
فبالنسبة إليهم هو الأول من الجانب التاريخي المأثور عندهم .
·
الفكر العلمي
من خلال الفكر الديني والمعتقدات الدينية
السومرية كالاعتقاد بالعدد ستة على أنه رقم مقدس يرتبط بالأنظمة الحسابية المختلفة
"النظام السيتني" اهتدى السومريون إلى اكتشافات علمية مختلفة وفي حقول
عديدة مثل الرياضيات حين حسبوا بدقة المنتوجات والعمال .
وارتقوا
في النظام الحسابي والهندسي وتترجم لك في قيامهم مشاريع خاصة بالري والبناء
واستخدامها في التوسعة التجارية (النظام العشري الستيني) ومن ثم أوجدوا ترتيب
المواقع الذي يتغير فيه معنى العدد بتغيير وضعه في الأعداد المركبة . رغم ذلك إلا
أنهم لم يكتشفوا العدد صفرا لكن ذلك لم يمنعهم من تعليم الجذور التكعيبية
والتربيعية .
أما
الجانب الفلكي فكانت أبرز اكتشافاتهم هي دائرة الفلك المتعلقة بالبروج والتي
يؤلفها خط دوران الأرض حول الشمس المتوزعة على اثني عشر برجاً وتم التنبؤ بالكسوف
والخسوف قبل وقت حدوثهما وأنشأوا التقويمين الشمسي والقمري "وبلغ من دقتهم في
التحري أن أضافوا إلى القمري كل ثلاث سنوات شهراً كبيساً ليتساوى التقويمان
وانفردت كل مدينة في تسمية أشهر السنة" (بيرين جاك ، 1999، ص : 77) .
أما
المعادن والنباتات والحيوانات فقد عرفوا التشريح الإنساني ووضعوا جداولا تحوي
أسماء المعادن والنباتات والحيوانات إلى جانب إعدادهم وصفا باللغة السومرية يحوي
كيفية تحضير الأحجار الصناعية مثل اللازورد .
وأبدعوا
في الكيمياء والتركيب الدوائي من خلال الخلط والتركيب بين المواد النباتية
والحيوانية والمعدنية . وبرزوا في صناعة التعدين وعلم السماحة والرسم الرمزي
للأراضي .
·
الفكر الفني
صناعة
التماثيل والمنحوتات والمجسمة والنقوش من الأحجار الكريمة والمختلفة وربطها
بالطبيعة والأحداث اليومية أبان المهارة والابداع الفني لدى السومريون والأختام
السومرية (الأسطوانية) الصغيرة في الحجم والتي تحوي صورا مختلفة وصور المعارك
المرسومة والعمارة المزخرفة والتميز الموسيقي باستعمال الآلات العديدة مثل الطبل
والناي والجرس والبوق والعود والمزمار والقيثارة ... لدلالات على التقدم الفني
الكبير الذي تميز به الفكر السومري في الألف الثلاث قبل الميلاد .
·
الفكر الأدبي
لقد نشط
الأدب السومري وكانت نهضة علمية فنية أدبية غاية التقدم الإنساني والرقي العقلي
حيث عثر على عشرين أسطورة وتسع قصص ملحمية وقرابة مئة ترتيلة وحوالي عشرين قصيدة
غنائية وعشرين ألف بيت شعر سومري .
وللسومريون
تقدم أدبي كبير تمثل في الجانب التعليمي ومناهجه فحيث تم تدريس اللغة والعلوم
الطبيعية والجغرافية تناولت تلك المناهج دراسات أدبية أسطورية مثل "رحلة أنان
إلى العالم السفلي" ومغامرات مثل "أورنامو" ملك أور ، وملحمة
جلجامش والتي جمعت في أيام البابليين . (بيرين جاك ، 1999) .
سجل ودون
السومريون أدبياتهم المختلفة في الكتب والتي تحمل القصائد والمشاعر الإنسانية
والنقد الاجتماعي للظواهر السيئة والأمثال
الشعبية . "يرتقي الشعر السومري إلى ما قبل الكتابة إلى أناشيد المعبد حاملاً
طوابع ذلك في التكرار الذي كان سمة تميزه للمداحين والمغنين الشعبيين ." (بيرين
جاك ، 1999، ص : 79) .
الخاتمة
استناداً للاستعراض السابق يمكن القول أن الحضارة السومرية 3 آلاف ق.م
والتي تصنف من حضارات الشرق الأدنى القديم قد امتازت بعدة خصائص على عدة مستويات
وأصعدة كالإبداع في العلوم الطبيعية والإنسانية المختلفة وتقدم كبير في الأنظمة
السياسية والثقافية والفكرية انعكس ذلك على الشكل المادي للمدن السومرية من خلال
الفن المعماري والاكتشافات الكبيرة كما ونوعاً
واتساع رقعة التجارة إلى المناطق البعيدة منها إلى جانب المحور الكتابي
والأدبي واللغوي الذي تفرد به السومريون في حضارتهم في القرون الماضية وأهمها
إنشاء أول كتابة على وجه الأرض ، اشتهار التدوين والتوثيق ، والدور العقدي
الإيماني الذي كانوا يمارسونه في طقوسهم ودور المعبد في التنظيم الديني والمدني و
على المستوى الاجتماعي والسياسي .
إضافة إلى توافر أنظمة متكاملة متسقة ترتبط بالجانب العسكري باستخدام أدوات
تعتبر في زمنها حديثة ومتطورة ، وزاقورات (معابد مرتفعة) تعكس مدى التقدم العلمي
والفني والهندسي في الحضارة السومرية .
قائمة المصادر
§
بيرين جاك (1999) . السومريون في التاريخ .
(عزمي سكر ، مترجم) . بيروت : عالم الكتب .
§
غولايف (1989). المدن الأولى (طارق معصراني ،
مترجم) . الاتحاد السوفيتي : دار التقدم .
§
فاضل علي (1996) . من سومر إلى التوراة .
بغداد : دار الشؤون الثقافية .
§
محمد مهران بيومي (1990) . تاريخ العراق
القديم . الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية .
§
نبيلة عبدالحليم (1994) . معالم العصر
التاريخي في العراق القديم .
شكرا جزيلا جزيلا.
ردحذفممتاز جدا جدا
ردحذفرائع جزاكم الله خيرا
ردحذفشكراا لك. شكرا.
ردحذفاريد راي شخصي ؟
ردحذف