الاثنين، 29 أغسطس 2016

جغرافية علم النفس



جغرافية علم النفس
الباحث الجغرافي أو المهتم بعلوم الجغرافيا أو الطالب الجغرافي قد تمر عليه الكثير من المصطلحات الجغرافية والعديد من فروع الجغرافيا أثناء قراءته أو دراسته تخصص الجغرافيا، مثل جغرافيا الطاقة والصناعة أو الجغرافيا الاقتصادية أو السياسية أو جغرافية السكان أو الجغرافية الطبية أو ج النقل ، والحضر ، الإقليمية ....
ولكن نادراً ما نسمع عن جغرافية علم النفس !!
عندما ذهبت إلى الجامعة وسألت عن التخصص المساند للجغرافيا فقالوا كل شيء مسموح به عدى علم النفس فلا علاقة بين الجغرافيا وعلم النفس !! وعندها انتابتني حالة من الغرابة ليس من موظف التسجيل وإنما من اللجنة العلمية أو المسؤول الأكاديمي الذي أصدر هذا القرار بناءً على ماذا ؟؟
من هذا الموقف انطلقت نحو قراءة عامة لعلم النفس ومواد الجغرافيا وهو التخصص الذي أدرسه في الجامعة وأطلع على مصادر خارجية فيما يتعلق به .
فوجدت أن علم النفس السلوكي أو علم النفس الصحي وبالمقابل وجدت في الجغرافيا مقررات تحت مسمى "الجغرافيا السلوكية" [1]
وببساطة فإن الطالب الجغرافي أو القارئ المبتدأ في هذا العلم يجد أن الجغرافيا تدرس "علاقة الإنسان ببيئته المحيطة به" فالجغرافية تدرس علاقة الإنسان بالبيئة والعكس ومدى تأثير كل منهما على الآخر"
هذا التعريف بحد ذاته يؤسس إلى فهم يرشد بأن الإنسان البيولوجي والنفسي "الفيسولوجي" هو مناط الدراسات الجغرافية .
والمطالع في كتب علم النفس وما يتعلق منها بالجانب المعرفي والسلوكي أو ما يعرف بـ "علم النفس البيئي" يدرك تماماً أن علم النفس لم يهمل دور المكان والبيئة في تكوين شخصية الإنسان وتأثيره عليه . وهذا لا يختص فقط بين الجغرافيا وعلم النفس ، بل بين كل التخصصات حيث كل تخصص لابد وأن يرتبط بتخصص آخر من جانب أو زاوية من الزوايا العلمية أو الأدبية أو الطبيعية .
فالدراسات الجغرافية والنفسية تقدم صورة عن علاقة متبادلة بين التخصصين ، فالشعوب التي تعيش بجانب السهول والسواحل تكون نفسيهم ألطف وأجسامهم ألين من الذين يعيشون فوق الجبال الوعرة والشاهقة وفي أعماق الصحراء فهم أشد قوة من الناحية الجسمانية وأغلظ في التعامل .[2]
          أما في الجغرافيا السياسية ، فإن رؤساء الجيوش كانوا لا يقبلون بالعيش في المناطق الخضراء لأن لها انعكاس نفسي على تضعيف نفوس الجيش .
          وإذا ما ذهبنا إلى المناطق الريفية أو المناطق الخضراء العشبية نجد أن الدراسات الطبية والنفسية تشجع على العيش أو العلاج النفسي في تلك الأماكن التي يغلب عليها الطبيعة والهواء النقي والهدوء وكل العناصر الطبيعية التي تخلق عند الإنسان حالة من الأمن والاستقرار النفسي .
          وفي المقابل فإن الشعوب في بدايتها بل حتى في هذا اليوم تنتكس نفسياً وتعيش حالة من التوتر والقلق إزاء عدم حصولها على مساكن تحتضنها وتأويها من البرد والحر والمطر والأعاصير.... ومن اللصوص وقطاع الطرق والحيوانات المفترسة وهذه مجتمع تمثل أحد أهم الأسباب التي تولد القلق النفسي الذي ينعكس هو الآخر على صحة الإنسان وتُنشء لديه الأمراض النفسية والبيولوجية مثل الضغط وبالتالي الغضب أو القولون العصبي أو النسيان والشيخوخة ...
          على غرار المختصر الذي تقدم لا يمكن فك علم النفس بالجغرافيا بمعنى لا يمكن فصل العلاقة ما بين نفسية الإنسان وبين البيئة التي يعيش فيها . وإذا ما أراد الباحث الجغرافي التعمق في الأمثلة والنماذج والدراسات التي تربط العلمين (الجغرافيا) و (علم النفس) عليه أن يرجع إلى كتب التخصصين وسوف يلاحظ بوضوح عدم انفكاك أيً منهما عن الآخر .


[1] تعريف الجغرافية السلوكية : بأنها ذلك الجزء من الجغرافيا الذي يدرس العلاقات بين الأنسان والبيئه عن طريق تطبيق المنهج السلوكي المكاني . ويهدف هذا المنهج الى ربط النتيجه المكانيه بالسبب السلوكي ، بمعنى أن هذا المنهج يهدف إلى إرجاع الأنماط المكانيه للسلوك البشري إلى مسبباتها الأدراكيه الكامنه من العمليات الذهنيه
[2] يبقى الأمر نسبة وتناسب والأمر بشكل عام ولا يعني وجود ما ينقض هذا الاستدلال .

الاثنين، 8 أغسطس 2016

خرائط خطوط الوقت أو خرائط المرور المتساوية



خرائط خطوط الوقت أو خرائط المرور المتساوية
طرق استطلاع المرور داخل المدن
((مصطلح المرور يعني حركة الآليات والعربات التي تنقل الناس والبضائع إلى أماكن مختلفة لأغراض متنوعة . كما يتحرك الناس مشياً على الأقدام من مكان إلى آخر لأغراض مختلفة داخل المدينة . ))[1]
أصبحت حركة المرور في المدن الكبرى والضواحي ومدن التوابع عرضة للمسوحات والدراسات المختلفة والبحوث العلمية القائمة على أسس ومناهج وقواعد والتي تهدف في نهاية المطاف إلى حل الكثير من المشاكل التي تصيب المرور والازدحام والنقل بين المناطق الحضرية والريفية ، والتفكير والتخطيط المستقبلي للمدن وشوارعها وحركات المرور فيها .
توجد عدة طرق لدراسة المرور وحركات النقل والتي من ضمنها طريقة تعداد المرور وينتج عنها خرائط تسمى بخرائط "انسياب المرور" فضلا عن وجود بعض الجهات المختصة والمناط لها إجراء المسوحات لمنشأ واتجاه المرور حيث تقوم بعملتين أساسيتين لجمع المعلومات الضرورية .
خرائط المرور الانسيابية1

خرائط المرور الانسيابية2
الأولى : بواسطة مقابلة عيّنة من الناس .
الثانية : إيجاد عدد السيارات التي تعبر من نقاط معينة من منطقة إلى أخرى داخل المدينة أو المدينة التي براد دراستها وتدعى هذه بنقاط السيطرة .
بالنسبة إلى  الطريقة الأولى (العينة) يتم اختيار حي معين في المدينة أو المدينة كلها (محلات عمل الناس في المنطقة التي يراد بها ((الاستطلاع والجهة التي يتوجهون إليها أكثر الأحيان وتنقلاتهم من حي إلى آخر وغيرها من الأسئلة التي تفيد في تعيين اتجاهات حركة المرور . )) [2]
أما الطريقة الثانية (نقاط السيطرة) فتتم عن طريق تعيين مجموعة من النقاط على مسافات متساوية مرسومة على خط يحيط بمنطقة الدراسة ويدعى هذا الخط بـ "خط السيطرة" Gardon Line
وفي الغالب يتم الالتجاء إلى تقسيم المدينة إلى عدد من المناطق الثانوية ، ومن ثم يتم تمثيل النتائج بأشكال بيانية وخرائط انسيابية تتبع الشوارع التي أخذ تعداد السيارات عليها حيث يتناسب كل خط مع حجم المرور الذي حسب عليه .
ولا يخفى أهمية تلك الخرائط وإسهامها في حل مشاكل المواصلات والازدحام التي تعاني منها المدن داخل شوارعها ، لأنها تعطي فكرة عن ((معرفة الشوارع التي تعاني من الازدحام والتي تطرقها السيارات والمارة ووسائط النقل الأخرى أكثر من غيرها .)) [3]
إلى جانب خطوط السيطرة توجد خطوط أخرى تسمى "بالخطوط المرغوبة" وفكرة هذه الخطوط أن يتم توصل كل خط يوصل بين نقطتين ويشير إلى نوع واسطة وكمية المرور بين النقطتين وهذه الخطوط هي خطوط مستقيمة .
وبالإمكان رسم هذه الخطوط لحركات المارة ولكافة وسائل النقل سواء سيارات أو درجات ... داخل المدينة . وأهمية هذه الخطوط تكمن في كونها عملية للمدينة لأنها ((ترشد المهتمين بتتبع حركة المرور في المدينة على مناطق المرور الرئيسية فيها . وتساعد على توجيه انتباههم لاتخاذ الإجراءات الضرورية لتسهيل حركة المرور فيها كتعبيدها وإدامتها ومراقبتها أو فتح طرق جديدة سريعة موازية للشوارع المزدحمة الموجودة ومساعدة لها أو فتح طرق بنفس الاتجاهات التي تشير إليها هذه الخطوط )) [4]
خرائط خطوط الوقت أو المرور المتساوية
تعرفنا سابقا على أنواع الخرائط المستخدمة لدى علماء التخطيط الحضري والتي تنعكس فاعليتها إيجاباً في حل مشكال المرور والازدحام وحركات النقل داخل المدن ، وإلى جانب هذه الخرائط تتوفر في الدراسات الحضرية خرائط تعرف بـ "خطوط الوقت أو المرور المتساوية"
يتم إنشاء وعمل هذه الخرائط من خلال وضع نقاط على شوارع المرور الرئيسية التي تتفرع من مركز المنطقة التجارية في المدينة ، حيث تمثل كل نقطة المسافة التي تقطعها سيارة نقل الركاب العامة خلال عشرة دقائق أو وحدة زمنية معينة من بداية نقطة تحركها في قلب ووسط المدينة .
تتم هذه العلمية من خلال وضع نقاط للمسافة التي تقطعها السيارة خلال ((20 و 30 دقيقة وهكذا على جميع الشوارع الرئيسية التي تتفرع من نقطة السير في قلب المدينة وبعد ذلك توصل الخطوط بين نقاط العشرة دقائق وتوصل النقاط التي تمثل العشرين دقيقة وهكذا مع بقية النقاط الأخرى)) [5] وعلى ضوء هذه العلمية تنشأ لدينا خرائط وقت متساوية وهي شبيهة جدا بالخرائط الكنتورية التي تصل بين القيم المتساوية في المناسيب (المرتفعات)

ما هي فائدة خرائط خطوط الوقت أو المرور المتساوية ؟
يستفاد من هذه الخرائط إلى الإشارة للشوارع المزدحمة والتي تقع فيها حركة المرور والنقل للتعطيل والعرقلة ومن ثم الوصول إلى مرحلة الاختناق المروري . 
فالشكل السابق كما هو موضح يدل على أن حركة المرور تكون بطيئة على الشارع الجنوبي – الشمالي لتقارب خطوط السير المتساوية ، أما الشارع الشرقي - الغربي فإنه يمتاز بحركة أسرع وأسهل من الاتجاه الشمالي – الجنوبي من المنطقة التجارية المركزية . 
ويمكن كما هو موضح في الشكل الاستفادة من تلك الخرائط أيضاً لاستقصاء سرعة النقل والمرور على الطرق العامة خارج المدن وإمكانية إعطاء سرعة للسير باتجاهات مختلفة داخل المدينة وخارجها ، وبالتالي يعكس ذلك درجة قابلية الوصول من مركز المدينة إلى مختلف الجهات في المدينة وأطرافها ، ويمكن تمثيلها بالمعادلة التالي . كلما تتقارب الخطوط تقل درجة قابلية الوصول وكلما تتباعد الخطوط ترتفع درجة قابلية الوصول . كما في الاتجاه الغربي حيث تتباعد الخطوط وتزداد القابلية على عكس الاتجاه الشمالي والشرقي حيث تقل القابلية .

تشابه الخطوط الكنتورية مع خطوط المرور المتساوية


[1] عطوي ، عبدالله ، جغرافيا المدن ، ج3 ، ص :  250
[2] عطوي ، عبدالله ، جغرافيا المدن ، ج3 ، ص :  250
[3] عطوي ، عبدالله ، جغرافيا المدن ، ج3 ، ص :  251
[4] عطوي ، عبدالله ، جغرافيا المدن ، ج3 ، ص :  251
[5] عطوي ، عبدالله ، جغرافيا المدن ، ج3 ، ص :  252

السبت، 6 أغسطس 2016

الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية



الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية
نعرف كجغرافيين أن الجغرافيا السياسية هو علم وصفي وتحليلي يقوم بمعالجة العلاقات المكانية المرتبطة بالوحدة السياسية .
لا يمكن فصل الجيوبولتيكا عن الجغرافيا السياسية بل نقول أن العلاقة بينهما علاقة الكل من الجزء ، بمعنى أن الجيوبولتيكا فرع من الجغرافيا السياسية .
ويقول كارل هاوسهوفر بقوله ((إن الجيوبولتيكا وليدة الجغرافيا السياسية؛ لأنها المحرك لما يتناوله هذا العلم الأخير من حقائق فتجعل منها مادة يستعين بها الزعيم السياسي .))
إذن فما هي الجيوبولتيكا ؟
في الواقع لقد تطورت الجغرافيا السياسية في القرن التاسع عشر حيث تمخض عنها مفهوم جديد يُعرف بـ "الجيوبولتيكا" بالرغم أن الجيوبولتيكا كأفكار هي قديمة وتعود إلى العصر الإغريقي إلا أنه تقعد كعلم بشكل حزمة تحمل نظريات وقواعد علمية منظمة فقد كان ذلك في مطلع القرن العشرين .
الجيوبولتيكا : هو مصطلح مكون من كلمتين إغريقيتين
1-     Geo  وتعني الأرض .
2-     Politique وتعني سياسة الدولة .
على ضوء ذلك، فإذا كانت الجغرافيا السياسية تعالج العلاقات المكانية المتصلة بالوحدات السياسية فإن الجيوبولتيكا تعالج نفس الموضوع ولكن ((في إطار المصالح العليا وفي إطار السياسة الدولية)) [1]
          تطور مفاهيم الجيوبولتيكا
لا يخفى علينا كما تقدم أن الجيوبولتيكا مصطلح جديد برزت ملامحه في مطلع القرن العشرين على يد العالم السويدي "رودلف كيلين" [2] حيث كان أول ظهور لهذا المصطلح في كتابه الذي صدر عام 1917م تحت عنوان "الدولة كمظهر الحياة"
          وقد عرف كيلين الجيوبولتيكا بأنها ((نظرية الدولة ككائن جغرافي أو ظاهرة تشغل حيزا من الأرض))[3]
ثم تتالت المفاهيم واحدة تلو الأخرى ، حيث عرف جون كيفير الجيوبولتيكا في كتابه "الحقائق والقوى العالمية" بأنها ((تتكون من عدة أشياء ولكنها في الأساس عبارة عن نهاية السلوك الأولي الذي يعتبر فيه الدولة الأم الحقيقة الأساسية، لذا فهي تكون قاعدة تقوم عليها السياسة الخارجية أو قد تكون الساسة الخارجية بذاتها)) [4]
          أما مجلة الجيوبولتيكا الألمانية فقد عرفت الجيوبولتيكا عام 1928م بأنها ((علم علاقة الأرض بالعمليات السياسية . وأن موضوعها يقوم على قاعدة جغرافية عريضة ولا سيما على الجغرافيا السياسية التي هي علم الكائنات السياسية في مكانها وبيئتها)) . [5]
وأيضا جاء ((العلم الذي يبحث في درجة اعتماد الأحاديث السياسية على الأرض وهي قائمة على الأسس العامة لعلم الجغرافيا السياسية التي تبحث في التنظيمات السياسية للمجال الأرضي وكل من العاملين المكاني والزماني))
          أما معهد ميونخ للجيوبولتيكا فقد قدم عدة تعاريف أبرزها
-         الجيوبولتيكا : هي النظرية التي تبحث عن قوة الدولة بالنسبة للأرض .
-         الجيوبولتيكا : هي العلم الذي يبحث في المنظمات السياسية للمجال الأرضي وتكوينها .
-         الجيوبولتيكا : هي الأساس العلمي الذي يقوم على فن العمل السياسي للدولة في كفاحها المميت من أجل حصولها على مجالها الحيوي .
أما العالم الجغرافي الفرنسي "ديمانجون" عرف الجيوبولتيكا بأنها ((عبارة عن مسعى وطني الغرض منه الدعاية والتعليم ، وأنها دراسات تهدف إلى تبرير الأهداف السياسية لدولة معينة)) .
تطور الجيولولتيكا
بالرغم من حداثة علم الجيوبولتيكا إلا أن له جذوراً ترجع إلى أرسطو (383-322 ق.م) إلى الدولة المثالية في كتابه عن السياسة ، حينما ذكر أهم العناصر التي تساهم في قيام الدولة والتي تتمثل في عدد السكان وموارد الثروة ((وأن العلاقة بين هذين العنصرين هي التي تحدد مدى قوة الدولة أو ضعفها كمركب سياسي . أشار أرسطو إلى السلوك البشري وأثره في السياسة حيث ذكر أن سكان البلاد الباردة وبصفة خاصة سكان أوروبا لديهم روح قوية ، ولكن ذكاءهم ومهارتهم ومحدودين وهذا السبب في رأيه في أنهم يحيون حياة حرة نسبيا دون أن يحرزوا أي تقدم سياسي، أما سكان آسيا في رأيه فهم موهوبون في الذكاء والمهارة الفنية ولكن تنقصهم الروح وهم من أجل هذا يحيون حياة استعباد وتبعية)) [6]
          أما في سنة ( 63 – 21 ق .م ) فقد أشار استرابو في كتابه "الجغرافيا" حول الإمبراطورية الرومانية وإمكانياتها من حيث تميزها وتمتعها بالموقع والمناخ المميز والملائم وتوفر الموارد المختلفة من أجل ذلك فهي تملك المقومات الأساسية لقيام دولة (الإمبراطورية الرومانية) .[7]
     أما ابن خلدون المتوفي سنة 880 هـ فقد أشار في مقدمته (مقدمة ابن خلدون) ميل وسكان وسط أفريقيا إلى الدعة والمرح على ضوء ظروف المناخ السائدة هناك، ووضع قوانين توضح تطور الدولة واحتلالها على أساس رابطة الدم التي تجمع بين أفراد القبيلة وتشد بعضهم إلى بعض . [8]
          وانتقالا إلى العصور الوسطى فقد أشار "بوادن" (1530 – 1595 م) في كتابه "six livers de la republique" علاقة الخصائص القومية المختلفة مرتبطة باختلاف المناخ والسطح (التضاريس) كما عند شعوب الأقاليم الباردة والمناطق الجبلية حيث يتميزون بالقوة والنظام والشجاعة وحيث أن الشخصية القومية تتشكل وفق البيئة التي يعيش فيها، لذلك فإن التركيب السياسي للدول يتأثر إلى حد كبير بهذا التباين .
ومن بعده جاء مونتسيكيو (1689 – 1755 م) فقد أشار في كتابه "روح القوانين" إلى ارتباط المناخ البارد يرتبط في العادة بالحرية السياسية، على العكس من المناخ الحار الذي يؤدي إلى العبودية المطلقة، وأما السهول الواسعة فهي تسمح بإنشاء إمبراطوريات فيها، والجبال تنمي الشعور بالاستقلال والحرية ، وسكان الجزر (الجزر البريطانية) يمكنهم أن يدافعوا عن حريتهم بفعالية أكثر من سكان الجهات القارية . [9]
أما فرديرك راتزل (1844-1904 م ) فقد كانت له اسهامات كبيرة جدا في علم الجغرافيا السياسية والدراسات الطبيعية ، وقد نشر في سنة 1896 م مقالا عنوانه "قوانين النمو الأرضي للدولة" حيث وضع مجموعة من القوانين سميت "قوانين التوسع السبعة" وعلى أساسها تنمو الدول وهي :
1-     إن رقعة الدولة تنمو بنمو الثقافة فكلما انتشر السكان وحملوا معهم طابعا خاصا للثقافة، فإن الأراضي الجديدة التي يحتلها هؤلاء تزيد في مساحة الدولة .
2-     إن نمو الدولة عملية لاحقة لمختلف مظاهر نمو سكانها، وهذا النمو يتبع التوسع التجاري والنشاط التبشيري .
3-     إن نمو الدولة يستمر حتى تصل إلى مرحلة الضم، وذلك بإضافة وحدات صغيرة إليها .
4-     إن حدود أية دولة تكون العضو الخارجي للدولة وتحدد مدى نموها .
5-     إن الدول في نموها تسعى إلى ضم الأقسام السياسية المختلفة مثل السهول والأنهار والمناطق الساحلية والمناطق الغنية بثروتها المعدنية أو بإنتاجها الغذائي .
6-     إن المحرك الأول للتوسع الأرضي بالنسبة للدول البدائية يأتي من الخارج على يد حضارة أعلى من حضارتهم .
7-     إن الميل العام للتوسع ينتقل من دولة إلى دولة أخرى ، ثم يتزايد ويشتد .
العلاقة بين الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية
بسبب التداخل بين الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية خلط الكثير من الكتاب بين العلمين ، وكما أوضحنا سابقا من خلال المفاهيم أن الجيوبولتيكا تتناول حيوية الدولة وحركتها في مجالها الاقليمي وفي المجتمع الدول في ضوء الحقائق الجغرافيا ، فإن الجغرافيا السياسية تدرس الحقائق الجغرافية السياسية تهتم بتحليل بيئة الدولة تحليلا موضوعيا ، أما الجيوبولتيكا فتقوم على دارسة الدولة من ناحية مطالبها وأهدافها على مستوى السياسة الدولية . [10]
والدراسات الجيوبولتيكا هي دراسة متحركة وهي عرضة لعوامل التغيير ،رغم ذلك يبقى العامل الجغرافي مؤثرا في العلاقات الدولية وهي لا تتوقف عند دراسة وتحليل الحواد الماضية ، بل تتعدى ذلك إلى دراسة الحاضر وما سيكون عليه المستقبل .
إلى جانب أن الفرق بين العلمين أن الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة الدولة كما هي كائنة أما الجيوبولتيكا تسعى للدراسة وفق المعطيات الجغرافية .
و الجيوبولتيكا تستمد مادتها من أربعة مصادر
1-     الجغرافيا السياسية
2-     والتاريخ
3-     الدراسات التخصصية (في موضوعي الإمبرايالية /الاستعمار)
4-     والاستراتيجية العسكرية (البحرية والجوية)
ولبعض مواد الجيوبولتيكا عناصر ، حيث التاريخ له عناصر ثلاثية (الإنسان والمكان والزمان) و الجيوبولتيكا لها عنصران أيضا (الأرض والدولة) .
          ((كما أن الجيوبولتيكا ترتبط بالإمبريالية والدراسات المتعلقة بها . فالعمل على تأسيس الإمبراطوريات كان من الصفات المميزة لسياسات دول المحور منذ قيام الفاشية والنازية والنزعة العسكرية اليابانية . يقابل هذا من الناحية الأخرى الرغبة الطبيعية عند الدول الاستعمارية الكبرى المحافظة على ممتلكاتها )) [11]
          أما الدراسات الاستراتيجية العسكرية والبحرية والجوية من المصادر المهمة التي تستمد منها الجيوبولتيكا مادتها ، ويتزعم القائد كلاوس فيتز جميع من كتبوا عن القوة البرية ، أما الأميرال ماهان يمثل المرجع الأول في كل ما يتعلق بالقوة البحرية . أما الماجور سيفيرسكي فيتحل مكانة كبيرة في المجال الجوي .
          ومعناه أن الجيوبولتيكا تستفيد من تجارب الحروب التي أحدثتها الحروب الماضية للدراسات التي تعني هذا المجال .



[1] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 191
[2] أستاذ في علم التاريخ والنظم الحكومية في جامعة جوتبرج في السويد (1864-1922)
[3] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 191
[4] محمد سعودي : الجغرافيا والمشكلات الدولية  ، ص 129 - 130
[5] محمد سعودي : الجغرافيا والمشكلات الدولية  ، ص 129 - 130
[6] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 198
[7] محمد متولي ، محمود أبو العلا ، الجغرافيا السياسية ، ص : 28
[8] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 198
[9] محمد عبدالمجيد عامر ، دراسات في الجغرافيا السياسية والدولة ، ص : 27
[10] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 194
[11] حسام جاد الرب ، الجغرافيا السياسية ، ص : 196