الأحد، 14 مايو 2017

نظريات الموقع الصناعي


نظريات الموقع الصناعي



المقدمة
تدرس كتب الجغرافيا الصناعية أقسام الصناعة من حيث طبيعتها والعوامل المؤثرة في توزيعها كموارد الطاقة والخامات ومدى توفر رأس المال والأيدي العاملة ومدى اتساع الأسواق المحلية وتوفر الأسواق الخارجية ، إضافة إلى الجانب السياسي والحكومي ومدى ملاءمة الظروف الاقتصادية والاجتماعية .
وتدرس الجغرافية الصناعية في موادها الصناعات الاستخراجية والتحويلية وتوزيعها والعوامل المؤثرة في قيامها كصناعة الحديد والصلب والصناعات المعدنية الأساسية والصناعات الكيماوية وصناعات الغزل والنسيج وغيرها .
إلا أننا في هذا القسم أو هذا البحث سوف نتناول فيه النظريات التي تتعلق بالموقع الصناعي بغض النظر عن الموضوعات الفرعية المرتبطة بالصناعة والسلك الجغرافي كتوزيع الأقاليم الصناعية الكبرى التي تتركز في مناطق خاصة من العالم كغرب أوروبا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان . إيماناُ منا بأهمية التأصيل لكل علم قبل الشروع في تفاصيله وحيثياته .
فلكل علم نشأة وتطورات مرّ عليه مهدّت لبزوغ هذه النظريات قيد التنفيذ والتطبيق الميداني . على ضوء ذلك سوف نشرع في ذكر أهم النظريات وأهم الأعلام الاقتصاديين الذين نظروا وقعدّوا للعلاقة الوشيجة بين أهمية الموقع الجغرافي والصناعة أو المصانع .
كنظرية عالم الزراعة الألماني يوهان هاينريش فون ثونن لونهارت وألفرد مارشال 1842م والعالم الألماني "ألفرد فبر" و هو تلنج و ولفرد سميث و أوجست لوش.

ما هي نظريات الموقع الصناعي ؟
شقت نظريات الموقع الصناعي طريقها من خلال رجال الأعمال الاقتصاديين الألمان كأفكار في أوائل القرن التاسع عشر ميلادياً ، خاصة انطلاقها من فكر عالم الزراعة الألماني يوهان هاينريش فون ثونن Johann Heinrich von Thünenعاش 24 يونيو 178322 سبتمبر 1850 م
حيث قام بمعالجة المنافسة من نواحي عدة كالموقع الزراعي والظروف التي تستخدم فيها الأرض وعلاقة الإيجار بالموقع ... إلا أنه يرى وجود علاقة طردية بين مناطق الإنتاج وتكاليف الإنتاج يصوغها في المعادلة التالية :
كلما بعدت مناطق الإنتاج عن السوق كلما زادت تكاليف الإنتاج
بسبب زيادة تكاليف النقل حتى لو كان الإيجار منخفضاً . ويصوغ معادلة أخرى بين الأراضي الزراعية وتكاليف النقل في صورة عكسية فكلما ارتفع الثاني (تكاليف النقل) قل الأول (الأراضي الزراعية) والعكس صحيح وتتأثر هذه المعادلة بمدى توفر وسائل النقل .
قد لا ترتبط نظريات العالم الألماني "ثونن" بالصناعة بشكل مباشر ولا تنطبق عليها إلا أنها كانت مهداً لنشوء أهم وأولى نظريات موقع الصناعة .
وقام "لو. نهارت" W.Launhardt  يبحث نظرية الموقع الصناعي ، حيث رأى أن المنافسة بين البضائع المختلفة تعتمد على المسافة بين السوق و مصدر انتاجها .
أما المنافسة بين البضائع المنتجة في مكان واحد فتعتمد على مدى تحملها لتكاليف النقل ، فلو أمكن انتاج نوعين من الخامات المعدنية من مكان واحد ، و كان أحدهما سهل الاستخراج و لكنه فقير فى نوعه ، والآخر جيد و لكنه يحتاج لنفقات كبيرة فى استخراجه ، لا يمكن استخدام الخامات الفقيرة قرب مناطق استخراجها لأن نقلها إلى الأسواق البعيدة غير اقتصادي نظرا لزيادة تكلفة النقل . أما الخامات الغنية فان استخراجها بهدف التصدير إلى الأسواق البعيدة قد يكون مريحا بالرغم من زيادة تكاليف الانتاج ." (فؤاد الصقار. الجغرافية الصناعية في العالم ، 1984 ، ص 39)
حط علماء الاقتصاد البريطانيين أرجلهم في الكتابات المتعلقة في الموقع الصناعي مثل ، ألفرد مارشال 1842م الذي تأثر على وجه الخصوص برائد المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد آدم سميث (صاحب كتاب ثروة الأمم) الذي كان يَعُده الأقرب إلى نفسه.
كما تأثر كذلك بأفكار جون ستيوارت ميل حول ضرورة الاهتمام بتحسين أوضاع العمال . ويُعد كتاب "مبادئ علم الاقتصاد" (1890) أبرز عمل خلَّفه مارشال وراءه .
وركز مارشال على تكاليف النقل كأهم عامل من عوامل إيجاد الموقع الصناعي .
أما إذا أتينا إلى العالم "هو تلنج" فنراه يعطي لعامل المنافسة دوراً وأهمية كبيرة في اختيار موقع الصناعة إذ عند إقامة أي مشروع صناعي جديد في مكان ما فعلى أصحاب المشاريع المشابهة الذين يقطنون في نفس المكان أن يقوموا بإعادة دراسة وضعهم ودراسة موقعهم من جديد .
ويرى "هو تلنج" "أنه في الظروف العادية ، وفي سوق حرة ليس لدى صاحب المشروع مجال لاختيار موقع مصنعه – لأن ذلك تحدده ظروف المنافسة . وتظهر حريته في الاختيار فقط حالة عدم وجود مشاريع مشابهة – أو في حالة الصناعات التي تلعب فيها الاختلافات البشرية أو الطبيعية دورا كبيراً، أو حيث يراد إقامة مشروع كبير واحد ذي إنتاج غزير" (فؤاد الصقار. الجغرافية الصناعية في العالم ، 1984 ، ص 40)


*    نظرية ألفرد فبر  Alfred Weber


القارئ في كتب الاقتصاد والصناعة يعرف تماماً أن العالم الألماني "ألفرد فبر" هو صاحب أهم نظريات الموقع الصناعي في بداية القرن العشرين 1909 م .
"حاول فيها أن يدرس العوامل المؤثرة في التوزيع الصناعي و بعد التحليل الدقيق وجد أن تكاليف النقل تعد من أهم العوامل فى اختيار الموقع الصناعي . ونظرية ألفرد فبر بنيت على أساس أن الصناعات التي يقل وزن منتجاتها عن وزن المواد المستخدمة في الانتاج فان موقع الصناعة يرتبط بمناطق هذا المواد و ليس بقرب الأسواق و ذلك اذا تساوت الظروف الاخرى . وخرج ألفرد فبر من ذلك بما أسماه فى نظريته بنسبة المواد Material Index  أى نسبة المواد إلى نسبة المنتجات :
و كلما زادت نسبة المواد كلما كانت الصناعة أكثر التصاقا بموادها ، واذا قلت النسبة أى أن وزن المواد يساوى وزن الانتاج أو أقل فان ارتباط الصناعة بمواد الانتاج يقل تبعا لذلك . و بالإضافة إلى صناعة الحديد فإن كثيرا من الصناعات يؤيد نظرية فبر مثل صناعة السكر من بنجر السكر ، فوزن السكر الخام المستخرج من بنجر السكر حوالى 1000:1 وهذا يعنى أن نسبة المواد المستخدمة فى صناعة بنجر السكر 10 ، و كذلك وزن الزبد و الجبن المستخرج من اللبن نحو 6:1 أي أن نسبة المواد المستخدمة 6.
 ووزن الحديد الزهر يترواح بين 1/4 ، 1/3 وزن شحنة الفرن العالي وكذلك الحال بالنسبة لصناعة السكر من القصب الذي ينقص وزنه كثيراً عند تصنيعه . وجميع هذه الصناعات تظهر نقصاً كبيرا في وزن المنتجات عن وزن المواد الخام المستخدمة في الصناعة ، ولذلك فإنشاء مصانعها بالقرب من موادها الخام يقلل من تكاليف النقل . ولذلك فكلما كان الخام فقيراً كلما ازدادت نسبة المواد ، وكلما كانت الصناعة في حاجة إلى أن تقترب من مناطق الخامات .أما في حالة الخامات الغنية التي لا تنقص كثيرا في وزنها عند تصنيعها فلا يشترط أن تقام بالقرب من موارد خاماتها لأن تكاليف نقل خاماتها ستكون أقل من تكاليف نقل منتجاتها المصنوعة " (المصدر السابق ، ص 41)
وبالإضافة إلى المنتجات الرئيسية أو الأساسية والتي تعالج المواد الخام مباشرة من المناجم أو الحقول أو من موردها الأساسي ، فهناك اعتبارات أخرى تتمثل في المنتجات الجانبية حيث يختلف الأمر فيها حيث تعطي هذه الصناعات دخلا إضافياً يضاف إلى الدخل الناتج من بيع المنتجات الرئيسية كعلف الماشية أو خبز الأفران .... وقد تكون هذه المنتجات الثانوية أثقل وزناً وأضخم حجما من المنتجات الرئيسية إلى كونها أحياناً قليلة القيمة لا تتحمل تكاليف النقل مما تدفع بالصناعة إلى التركز بالقرب من الأسواق .
*    نظرية ولفرد سميث Wilfred Smith
وقد قام ولفرد سميث Wilfred Smith البريطاني بتطبيق نظرية ألفرد على الصناعات البريطانية ، فوجد أن  31 صناعة من بين  65صناعة في بريطانيا لا ترتبط بموقع المواد برغم زيادة وزن المواد عن وزن المنتجات مما يدل على أن نظرية ألفرد لا تنطبق على جميع الصناعات فقد تظهر صناعات جانبية تساهم في تخفيض نفقات الإنتاج مما يؤدى إلى عدم التقيد بموقع المواد الخام كما يحدث بالنسبة للصناعات القطنية ، فإن القطن بعد حلجه يمكن تصنيعه بالغزل والنسج ، وكذلك يستفاد من بذوره بعد حلجه في انتاج زيت القطن و من بقايا البذور وبعد الحلج يستخلص الكسب الذى يعد علفا للحيوان ولذلك فان الصناعات القطنية لا ترتبط بإنتاج المواد الخام لهذه الصناعة . (فوزي الجدبة ، الجغرافية الاقتصادية ، ص 108)
وقد انتهى القول بأن نصيب العامل الواحد من المواد الخام ربما كان أهم من نقص وزن المواد لأن أخذ الوزن الكلي للمواد الخام والمقارنة بين الخامات والإنتاج يختلف حسب حجم المصنع وطبيعة الصناعة ونوع الخامات – مما يجعل المقارنة بين الصناعات المختلفة والمصانع المتنوعة صعبا للغاية ، ولذلك فالصواب هو عقد المقارنة بين نصيب العمال .
رغم أن هذه المقارنة رهينة بنوعية العمال ونوعية الصناعية ووفق هذا الأساس فإن الصناعات البريطانية 65 المتركزة عند مناطق خاماتها الصناعات التي يزداد فيها وزن المواد الخام بالنسبة للعامل الواحد . "ثم طبق هذا الأساس على 125 صناعة أخرى من الصناعات البريطانية وخرج بنفس النتيجة وهي أن الصناعات المرتبطة بخاماتها هي تلك التي يزداد فيها نصيب العامل الواحد من المواد الخام . أما الصناعات التي يقل فيها نصيب العامل الواحد من المواد فلا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمناطق خاماتها  ولكنها حرة في اختيار مواقعها" (فؤاد الصقار. الجغرافية الصناعية في العالم ، 1984 ، ص 43)
ومن أهم القائلين برأي "ولفرد سميث" بتفصيل السوق وإظهار أهميته في جذب الصناعة الألماني "أوجست لوش"   August Loisch حيث تجسد دراسته أحدث الدراسات التي أكملت نظرية "ولفرد سميث"
إن السوق في نظر "أوجست لوش" هو عبارة عن منطقة حرة أو إقليم يعيش فيه سكان متجانسون من ناحية الدخل ومتقاربون من النواحي الذوقية. وهذا التشابه يجعلهم متجانسين ومتقاربين في الأذواق والقدرات على الاستهلاك والقدرة الشرائية وإقامة مصانع بعيدة عنهم قد لا يحقق لهم مطالبهم أو قد لا يتجارى مع رغباتهم وأذواقهم ، فالحل إذن يكمن في إقامة مصانع قريبة من مساكنهم أفضل لمدهم بما يحتاجون إليه وما يرغبون في استهلاكه. 











مصادر البحث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجغرافية الصناعية في العالم . الدكتور فؤاد محمد الصّقار . الناشر وكالة المطبوعات : الكويت . ط. الثانية . 1984 .
الجغرافيا الاقتصادية . فوزي سعيد الجدبة . موقع إلكتروني .