السبت، 15 ديسمبر 2018

كيف نسمع أصوات الكواكب ؟ رحلة قصيرة في فيزياء الصوت


كيف نسمع أصوات الكواكب ؟
رحلة قصيرة في فيزياء الصوت
لنتخيّل أننا في الفضاء وصرخ أحدنا بصوت عالٍ وقام آخرون بتشغيل موسيقى صاخبة في الفضاء ما الذي سيحدث ؟
في الحقيقة أننا لن نسمع شيئا من صراخنا ومن الموسيقى الصاخبة لماذا ؟
الإجابة أن الفضاء فارغ من أي وسط مادي ينقل الهواء من الأجسام التي تُصدر الأصوات إلى آذاننا على عكس أرضنا المُكسوة بالغلاف الجوي الذي يتضمن غازات وغبار وهواء يمثل الوسط المادي الذي ينقل الأصوات في الحيّز المكاني.
للأصوات من حولنا علاقة بين أذن الإنسان وبين الأجسام التي تُصدر تلك الأصوات، تربط هذه العلاقة وسط مادي يقوم بنقل تلك الأصوات إلى آذننا عبر  اهتزازات جزيئاته في الهواء ، وهذه الأصوات غير المرئية تُسمى "الموجات الصوتية" لها ترددات مختلفة.
إذن، فالأصوات لا يمكن أن تنتقل في مجالات فارغة، أي أنها لا تستطيع أن تنتقل إلا في مجالات لا تحوي الهواء الذي يقوم بنقلها من وإلى آذننا وإلى أجهزة التسجيل.
"عندما تمر الموجة الصوتية عبر الهواء ، يتذبذب ضغط الهواء في أي بقعة مائلة إلى الأعلى والأسفل ؛ يُسمى الوقت بين هذين التذبذبين تردد الصوت ، ويتم قياسه بوحدات تسمى هرتز. واحد هيرتز هو واحد التذبذب في الثانية الواحدة. تُسمى المسافة بين "قمم" الضغط المرتفع الطول الموجي للصوت." [1]  في 20 هيرتز لا نستطيع أن نسمع الأصوات.
من المفيد فهم فيزياء الصوت. ينتقل الصوت عبر الهواء كموجات. عندما نتحدث ، على سبيل المثال ، فإن اهتزاز الحبال الصوتية لدينا يضغط الهواء من حوله. يحرك الهواء المضغوط الهواء المحيط به ، والذي يحمل الموجات الصوتية. في نهاية المطاف ، تصل هذه الضغوطات إلى آذان مستمع ، يفسر دماغه ذلك النشاط كصوت. إذا كانت الارتفاعات عالية التردد وتتحرك بسرعة ، فإن الإشارة التي تستقبلها الأذنين يفسرها الدماغ على أنها صافرة أو صرخة. إذا كان التردد أقل ويتحرك بشكل أبطأ ، فإن الدماغ يفسرها على أنها طبلة أو طفرة أو صوت منخفض.[2]
بمعنى آخر، أن الطريقة التي يسمع بها الناس والحيوانات الصوت هي أن الموجات الصوتية تنتقل عبر الهواء وتصل في نهاية المطاف إلى الأذن. في الداخل ، ترتد ضد طبلة الأذن ، والتي تبدأ في الاهتزاز. تمر تلك الاهتزازات من خلال عظام صغيرة في الأذن وتسبب اهتزاز الشعر الصغير. يعمل الشعر مثل الهوائيات الصغيرة وتحويل الاهتزازات إلى إشارات كهربائية تتسرب إلى الدماغ عبر الأعصاب. ثم يفسر الدماغ ذلك الصوت والصوت والصورة.[3]
في السنوات الأخيرة بل قبل أيامٍ قليلة قامت وكالة ناسا الفضائية بنقل أحدث تسجيل لمركبة "إنسايت" التي هبطت على المريخ حيث سجّلت أصواتاً للمريخ والتسجيلات لأصوات كواكب المجموعة الشمسية أو الشمس نفسها متوفرة في صفحات الانترنت، وخاصة في موقع وكالة ناسا الفضائية!
فالسؤال الذي قد يتبادر في أذهاننا، كيف تنتقل هذه الأصوات التي ترصدها وكالة ناسا الفضائية إلى أجهزة التسجيل ومن ثم إلى آذاننا ولا يوجد في الفضاء مجال هوائي ينقل تلك الأصوات التي تصدر من الكواكب أو الثقوب السوداء، فالمعروف أن الفضاء فراغ!
فهل صحيح أن الفضاء فارغ بمعناه الذي نتصوره في عقولنا!! بمعنى هل الفضاء فارغ من أي شيء تماماً؟ هل هو عدم؟
إن علماء الفيزياء  مثل "ستيفن هوكينج" وبالتحديد عُلماء الفيزياء الفلكية أمثال "نيل تايسون" وغيرهم يقولون أن الكون ليس فارغاً كما يلوح في أفق التصور المطروح.
في الكون الفارغ هناك غازات وغبار منتشر في طيّاته والتي خلفّتها النجوم القديمة بسبب وصولها إلى مرحلة الاحتضار ثم الموت ثم الانفجار. وبعض غبار النجوم المنتشر في الجو يرجع إلى مئات الملايين من السنين، أي ما يصلنا اليوم هو أثرٌ من الماضي السحيق وبالتحديد عند مرحلة الانفجار العظيم.
إن هذا الغبار الغازات قادرة على نقل الأصوات إلينا عندما تتصادم جُزئياتها من جزئيات الموجات الصوتية الصادرة من تلك الكواكب القابعة في أحضان الفضاء. ولأن الجُسميات (الغبار / الغازات) الهائمة في الفضاء منتشرة في نطاقات واسعة فإن الموجات الصوتية التي تُنتجها تكون منخفضة جداً بحيث لا نستطيع سماعها.
في عام 2003 "رصد تلسكوب شاندرا الفضائي  بالأشعة السينية التابع لناسا NASA’s Chandra X-ray space telescope نمطا في الغاز الذي يملأ مجموعة الفرساوس perseus cluster : حلقات متحدة من الضوء والظلام ، مثل التموجات في البركة. يقول علماء الفيزياء الفلكية إن هذه التموجات هي آثار موجات صوت منخفضة التردد بشكل لا يصدق. الحلقات الأكثر إشراقًا هي قمم الأمواج ، حيث يوجد أكبر ضغط على الغاز. الحلقات الداكنة هي الحضيض من الموجات الصوتية ، حيث يكون الضغط أقل." [4]



هل تُصدر الكواكب أصواتاً ؟
أثناء كتابتي هذا المقال، زرعت بعض المغالطات لكي أُصححّها لكم من خلال أدوات العلم والدراسات العلمية، يشير عُلماء الفيزياء الفلكية أو فيزياء الموجات الصوتية أن الكواكب لا ينبعث منها أي صوت!
إذن ما الذي نسمعه ؟ إن ما يتم تسجيله من خلال المركبات الفضائية وأجهزة التسجيل أو الطائرات من دون طيّار هي عبارة عن تفاعلات الجسيمات المشحونة في الغلاف المغناطيسي للكواكب - موجات الراديو المحصورة وغيرها من الاضطرابات الكهرومغناطيسية. يأخذ الفلكيون هذه القياسات وتحويلها إلى أصوات. وهي تشبه الطريقة التي يلتقط بها الراديو الموجات الراديوية (وهي موجات ضوئية ذات طول موجي) من المحطات الراديوية ويحول هذه الإشارات إلى صوت.
إذن فنحن لا نسمع أصواتاً بالطريقة التي نستمع لها في كوكبنا الأرض، وليست الكواكب هي التي تُصدر تلك الأصوات، فما يقوم به العُلماء هو استخلاص جميع تلك الانبعاثات من الغلاف المغناطيسي للكواكب كالتي سجلتها المركبات الفضائية Voyager, New Horizons, Cassini, Galileo من خلال المجسّات التي تقوم بتجميعها ونقلها إلى الأرض ومعالجتها (معالجة البيانات) حتى نتمكن من سماعها.
بدأ إنشاء "صوت كوكبي" عندما اكتسحت المركبة الفضائية "فوياجر 2" كوكب المشتري وزحل وأورانوس في الفترة من 1979 إلى 1989 ، واكتشف المسبار بعض الاضطرابات الكهرومغناطيسية وتدفقات الجسيمات المشحونة ، وليس الصوت الفعلي. الجسيمات المشحونة (إما تنطلق من الكواكب من الشمس أو التي تنتجها الكواكب نفسها) تسافر في الفضاء ، وعادة ما يتم إخفاؤها في الغلاف المغناطيسي للكوكب. أيضا ، فإن موجات الراديو (مرة أخرى إما تنعكس على الموجات أو التي تنتجها العمليات على الكواكب نفسها) تتعثر بسبب القوة الهائلة في المجال المغناطيسي لكوكب الأرض. تم قياس الموجات الكهرومغناطيسية والجسيمات المشحونة بواسطة المسبار ، ثم تم إرسال البيانات من تلك القياسات مرة أخرى إلى الأرض للتحليل.
يصور هذا الفنان الذي يصور مركبة الفضاء "فوياجر 2" أثناء دراستها للحدود الخارجية من الغلاف الشمسي - وهي فقاعة مغناطيسية حول النظام الشمسي تنشأ من الرياح الشمسية. 
كما قام علماء الفلك بتحويل البيانات من المركبة الفضائية التي تعبر "حدود" النظام الشمسي يطلق عليها اسم "heliopause" وحولتها إلى صوت كذلك. ولا يرتبط هذا الكوكب بأي كوكب آخر، ولكنه يُظهر أن الإشارات يمكن أن تأتي من أماكن كثيرة في الفضاء. فتم تحويلها إلى أصوات يمكن أن نسمعها.
والسؤال الذي ينسحب حول هذه النقطة بالتحديد لماذا نسمع أصواتاً مختلفة للانبعاثات التي تُرسلها الأغلفة المغناطيسية للكواكب ؟
الإجابة يمكن تشبيهها بأوتار البيانو؛ فلكل وترٍ تردد معين وبالتالي سيتميز بنغمة تختلف عن الوتر الآخر. الكواكب كذلك ؛ فإن كل كوكب لديه أغنية فريدة خاصة به،ذلك لأن كل واحد من تلك الكواكب له ترددات مختلفة تنبعث (بسبب كميات مختلفة من الجسيمات المشحونة التي تطير حول وبسبب اختلاف شدة المجال المغناطيسي في نظامنا الشمسي). سيكون لكل كوكب صوتٌ مختلفٌ ، وكذلك المساحة المحيطة به.
ينتج عن دوران الثقوب السوداء Black Hole مجالاً كهرومغناطيسياً قوي جداً تُجبر هذه القوة إلى طرد الغازات بعيداً عنها مولدة بذلك موجات صوتية. وبما أن المجالات في الفضاء لا تسمح بنقل الصوت لنا بالقدر الكافي فيستخدم العلماء طائرات من دون طيّار من نوع Perseus  دون توقف عند حافة سحابة الغاز التي تملأ مجموعتها من المجرات