الخميس، 14 سبتمبر 2017

التكوير وكروية الأرض



التكوير وكروية الأرض

الكرة ليست مثلثاً، والكرة ليست مربعاً أو مستطيلاً أو معيناً أو اسطوانياً، كُلُّنا يعرف أن الكُرة هي شكلٌ هندسيّ ثلاثيّ الأبعاد له مساحة وحجم ومُحيط، حيث تدور الدائرة حول قطرها.[1]
كرة السلة وكرة القدم من الأشكال الدائرية التي نشاهدها ونلعب بها كلَّ يوم!
إذا أتينا بجسم كرويّ الشكل  في غرفة معتمة (ظلماء) ثم سلّطنا عليه مصباحاً مضيئاً من جهة الشرق فمن الطبيعي أن الجزء الشرقي من سطح الكرة سوف يضيء أما الجانب الغربي من سطح الكرة لن يتأثر بضوء المصباح بسبب تركز ضوء المصباح على الجهة الشرقية منه!
لو قال شخص ما أن أضواء المصابيح تتحرك بشكل دائري على جسمٍ ما، بحيث يكون جزء من هذا الجسم مضيء والجزء الآخر من هذا الجسم مظلم وغير مضيء، ماذا سنستنتج ؟!
الذي سنستنتجه هو أن الجسم الذي تدور حوله الأضواء هو كروي الشكل يتماشى مع حركة الأضواء فجهة الشرق تارة تكون مضيئة أما الغرب فتكون مظلمة وهكذا بقية الجهات!
القرآن الكريم عندما أراد أن يصف حركة الليل والنهار التي تحيط بالأرض أعطاها حركة ديناميكية تأخذ الشكل الكرويّ قال الله تعالى في سورة الزمر، آية (5) {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}
فالكُرة في حركتها هي حركة التفافية تدور حول محورها كما لو نرى لاعب كرة القدم يركل كرة القدم تجاه المرمى فإننا سنلاحظ التفاف الكرة حول نفسها.
لنعتبر الأرض جسما مجهولا! لا نستطيع أن ندرك ونحسب محيطه، فنحن نقط صغيرة بداخل الأرض مشتتين في جهاته المختلفة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، ثمّ جاءنا شخص من الفضاء الخارجي وقال لنا بأن الشمس وهو الجسم الذي يُرسل الأشعة المضيئة للأرض تأخذ شكلاً دائرياً فالشخص الذي يجلس في جهة الغرب وتكون الشمس في جهته يحل عليه النهار، في المقابل فإن الشمس تكون بنفس الوقت في جهة الغرب غائبة لوجودها في جهة الشرق لذلك فإن سكان جهة الغرب يحل عندهم الليل!
الذي سوف نستنتجه بأن الأرض تأخذ الشكل الكروي الذي يتماشى مع الحركة الدائرية (للشمس أو حركتها هي حول الشمس) ولسنا بصدد الحديث هل الشمس هي من تدور أم الأرض!

في المقابل، لو أتينا بشكل دائري ومسطح وسلّطنا عليه الضوء في إحدى الجهات (شرقاً، غرباً، شمالاً، جنوبا) فإننا نستطيع رؤية الضوء لو كنا في أي موقع على الدائرة المسطحة.
الأمر يجري على الأرض لو كانت بشكل دائري مسطح، فلو كانت مسطحة لأمكن مشاهدتها من أي مكان على الأرض سواء بالليل أو النهار!
أيضاً يجب في هذه الحالة أن تظهر الشمس في الليل بحجم أقل في الأفق ! بينما في الواقع الذي نراه أن الشمس لا تصغر في الأفق بل تغيب خلف الأفق ولا تظهر بنفس الحجم!
لقد لجأ أصحاب فرضية الأرض المسطحة إلى خلق نظرية للرد على هذا الإشكال وهي "انعدام الرؤية بعد خط الأفق" وهي النقطة التي لا يمكن الرؤية إلى ما دونها"
فالجواب ببساطة : هو إمكانية استخدام التلسكوب الذي يمكن الرائي من رؤية ما بعد الأفق" بل يمكن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لو كنت في الساحل الغربي من أفريقيا أو اليابان إذا كنا في كاليفورنيا.






الجانب الديني
اتجه بعض المفسرين في كتبهم إلى تبني كروية الأرض وفقاً للآية التي تطرقت إلى تكوير الليل والنهار ويعد تفسيرهم مطابق للمنظور العلمي بسبب توافق ظاهر النص الديني مع الأدلة العلمية التي تثبت كروية الأرض! من هؤلاء العلماء ابن عاشور والزحيلي في تفسيرهما.
·        النص الأول
التكوير حقيقته : اللف والليُّ ، يقال : كَوَّر العمامةَ على رأسه إذا لواها ولفَّها ، ومثّلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكسُ ذلك على التعاقب بهيئة كَوْر العمامة ، إذ تغشى الليَّةُ الليَّةَ التي قبلها . وهو تمثيل بديع قابل للتجزئة بأن تشبه الأرض بالرأس ، ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامة ، ومما يزيده إبداعاً إيثار مادة التكوير الذي هو معجزة علمية من معجزات القرآن المشار إليها في المقدمة الرابعة والموضحة في المقدمة العاشرة ، فإن مادة التكوير جَائية من اسم الكُرة ، وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي ، والأرض كروية الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذٍ فأومأ القرآن إليه بوصف العَرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب وهما النور والظلمة ، أو الليل والنهار ، إذ جعل تعاورهما تكويراً لأن عَرَض الكرة يكون كروياً تبعاً لذاتها " تفسير ابن عاشور، 12/280
·        النص الثاني
يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ يلقي هذا على هذا، والتكوير: اللف على الجسم المستدير، وهذا يدل على كروية الأرض، ومنه كوّر المتاع والعمامة: ألقى بعضه على بعض وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ذلل وطوع، وجعلهما منقادين له يَجْرِي في فلكه لِأَجَلٍ مُسَمًّى لوقت معين محدود هو يوم القيامة الْعَزِيزُ القوي الغالب على كل شيء الْغَفَّارُ لذنوب عباده إذا شاء وإذا تابوا. والآية دليل على وجود اللّه ووحدانيته وقدرته. تفسير المنير (الزحيلي)، 23/247




[1] إنّ الكرة هي سطح هندسي ينتج عن مجموعة نقاط تبعد بعداً ثابتاً عن نقطة معينة في الفضاء، تُسمى مركز الكرة، ويُسمى البعد الثابت عن المركز نصف القطر