الأربعاء، 3 مارس 2021

سلسلة ملخصات علمية حول حقيقة نظرية التطور! الجزء الأول

 

سلسلة ملخصات علمية حول حقيقة نظرية التطور!

 

الكتاب الأول

حقيقة التطور- كاميرون إم سميث (عالم الأنثروبولوجيا)

الفصل الأول

"لا تأخذ بكلام أحدٍ دون دليل"

 


مجلة الطبيعة (Nature) هي مجلة علمية مُحكّمة تصدر من بريطانيا ويشرف عليها نخبة من الباحثين والعلماء المتخصصين، أصدرت المجلة في كانون الثاني لعام 2008 خبرًا في افتتاحيتها، "التطور حقيقة علمية، ويتعين على كل مؤسسة تعتمد في أبحاثها على التطور تفسير ذلك".

يوحي هذا الفعل تحديًا واضحًا من قبل مجلة بهذا الوزن وهذه المتانة العلمية، لقد أرادت المجلة أن تُرسخ حقيقة لا يمكن نقض أدلتها للجمهور، إذ لم تكتفِ بذلك، بل دعت جميع الأساتذة والمعلمين أن تُدرّس نظرية التطور على خلفية كونها حقيقة وليست فرضية تتأرجح بين جدليات لا تمت للعلم بصلة.

 

لماذا استغرق ذلك وقتًا طويلًا ؟

التسليم لنظرية التطور كونها حقيقة لم تكن وليدة الساعة، بل ليس لكونها حقيقة فقط بل هي واقعٌ يفرض نفسه بقوة وثبات في مجال العلوم الطبيعية والمخبرية خاصة علوم البيولوجيا. التطور كالجاذبية لا يمكن التشكيك بها، فتخيّل التشكيك بحقيقة الجاذبية! إنها كارثة.

نعم توجد بعض الجدليات على مسألة التطور، لكن ليس في حقيقتها وواقعيتها بل الجدليات تجوب بعض التفاصيل والحيثيات، فهناك اتفاق وإجماع على أساسيات نظرية التطور. إنَّ الحملة الشرسة التي تحاول أن تنال من حقيقة التطور هو خير دليل على ازدهارها، خاصة القفزة النوعية في مجال علم الجينات والأحياء والطب والتشريح،،، إنها بالفعل حيوية وفعالة. [1]

حاول الإعلام بشتى الطرق إماتة حقيقة التطور من خلال التضخيم والتزوير الذي يقوم به الإعلام، ولكنَّ الواقع المتمثل في الأدلة العلمية القاطعة يؤكد على أن نظرية التطور هي واقع ينبض بالحياة.

 

مجلة ناشونال جيوغرافيك

National Geographic Magazine

ليس تشكيكًا في صدق المجلة أو كونها مجلة تحمل مصداقية بنسب معينة، إلا أنها لا تضاهي مجلة الطبيعة، خاصة أن مجلة ناشونال جيوغرافيك تراجعت عن بعض الأخطاء فيما يتعلق بنظرية التطور، بمعنى أنها مجلة ليست معصومة من الخطأ.

لقد نشرت المجلة الأمريكية عنوانًا استهل مجلتها "داروين كان مخطئًا؟" وبالرغم من هذا العنوان المشتت أو المظلل فلقد خلصت النتيجة أن لداروين لم يكن مخطئًا بشأن أساسيات نظرية التطور، وإنما الأخطاء وقعت في حيثيات أخرى.

وهذا يرجعنا إلى مسألة غاية في الأهمية وهي أن داروين (1804 – 1882م) مهما بلغت قوة أدلته حول نظرية التطور إلا أن ذلك لا يعني كون بعض تفاصيلها تشوبها بعض الأخطاء والتي سيثبت العلم لاحقًا خطئها، إلا أن الأسس والمبادئ العامة التي قعّدها داروين حول نظرية التطور لا يمكن خرقها حاليًا، لأنها أصبحت من مسلمات العلم الحديث.

التشويه الذي يقع على نظرية التطور قبل 150 عامًا قد يكون مستحقًا آنذاك (بعضه لا كله) فمخبريًا لم يكن فحص كل أقوال داروين (فرضياته) وتجربتها، لكن الآن وفي عصرٍ ارتقى فيه العلم وتطورت فيه التخصصات وأمكن اختبار نظرية التطور وفرضيات داروين، لا يمكن الرجوع إلى الوراء!

لذلك فإن العلماء بعد داروين أمثال عالم البيولوجيا إرنست ماير (1904 - 2006) والعملاق في علم البيولوجيا كارل ووز (1904 - 2012). عملوا بجهد كبير جدًا ومتواصلٍ لدراسة تصنيف الأشكال الحيوية لمدة وصلت إلى عشرة أعوام كان التعب يصل إلى درجة تصل فيها الطاقة إلى النفاذ بالكامل حتى يصلوا إلى تمحيص ما قاله داروين ، ويمكن القول بين قوسين، ما قام بتجربته داروين ومقارنته وفحصه ودراسته سلوك الحيوان وسفره وجده واجتهاده وتواصله مع كبار العلماء آنذاك.

أمريكا وبريطانيا

نعرف كعلماء ومهتمين وباحثين في التطور بأن مجلة الطبيعة (Nature) تصدر دوريًا، فما هي الأجواء العامة في المجتمع البريطاني حول نظرية التطور!! إن المجتمع البريطاني غاب فيه الجدل العام حول نظرية التطور فهي حقيقة تم قبولها منذ فترة مبكرة، لماذا؟ لأن الحقائق الجلية لا تتطلب التشكيك فكل ما يقع خارج إطار الحقيقة العلمية الثابتة هو تضييع للوقت!

لقد نشر عالم الأحياء توماس هكسلي في عام (1863م) أي بعدما نشر داروين كتابه "أصل الأنواع" في نوفمبر 1859م قائلًا عن التطور "إن جميع النظريات الأخرى هي خارج المنافسة تمامًا" إن إعجاب هكسلي بنظرية داروين ليس لكون محبًا ومعجبًا به لا، ولكنه الإعجاب الذي استند على لغة العلم والواقع المشاهد والتجربة التي لا يمكن نقضها!

إن نظرية التطور دُعمّت بعلم الأجنبة وعلم الحفريات وعلم النبات وصبت كلها لصالح نظرية التطور، وهذا يعني أن داروين كان صائبًا!

هذا المُناخ الذي كان سائدًا في بريطانيا كان في نفس الوقع هو ملبدٌ بالغيوم في الولايات المتحدة الأمريكية التي استغرقت عقدين من الزمن حتى تقبلت نظرية التطور، نعم لقد كانت الحملة شرسة وشعواء في الولايات المتحدة في الفترة التي آمن معظم العلماء الأمريكيين بحقيقة التطور.

ولكن الغريب في الأمر أن المعارضة لم تكن من قبل علماء الطبيعة أو البيئة أو حتى علماء الطيور، ولكن المعارضة ولدت من رحم مختلف جدًا تمثلت في المجتمع الديني.  ليس استهزاءً بالدين، ولكن النهج الديني لا يتضمن في لغته (خاصة في تلك الفترة) الرد في سياق علمي، وإنما الاعتماد على ما جاء من تعاليم نصية بأنَّ "البشرية هي خلق استثنائي ونتاج للعقل الإلهي" في حين أن التطور تجعل الإنسان سلسلة من ضمن ملايين السلاسل الأحيائية، إنه مجرد شكل من أشكال المنظومة التي تحيط به ويعيش فيها مع بقية الكائنات الحية. لذلك تعذر التوفيق بين المنهجين لفترة طويلة من الزمن.

تراجعت بعض الأوساط الدينية مثل الجمعية العلمية الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة مبكرة من أربعينيات القرن العشرين عن موقفها الرافض لنظرية التطور ، مما سمح للعديد من العلماء التعايش مع حقيقة نظرية التطور الأحيائية. تقع المشكلة الكبيرة ليس في أن الأوساط الدينية ترفض نظرية التطور كونها نظرية غير مثبتة علميًا! ولكن بسبب كونها تعارض النصوص المقدسة الثابتة؛ فإما الدين وإما العلم (وهذا الصراع وإن كان ظاهريًا فمن الممكن الجمع بين النقيض الظاهري للكتاب المقدس مع الحقائق العلمية).

إذن لماذا مجلة الطبيعة (Nature) حوربت بهذه الصورة الكبيرة من قبل المجتمع الأمريكي؟! السبب يكمن في ظهور العولمة واتصال العالم بشبكة التكنولوجيا والأقمار الصناعية التي ضغطت الزمان والمكان وجعلت العالم قرية صغيرة واحدة تتداول فيها العلوم والأخبار المستجدة في غضون ثوانٍ معدودة!

لذلك بدأ التصعيد الأمريكي للاتطوريين مما استلزم ردًا حاسمًا من قبل مجلة الطبيعة البريطانية، فالمناهضين لنظرية التطور أو كما يعرفون بالخلقيين الذين يؤمنون بأن الخلق جاء دفعة واحدة دون تطور كان يتبعهم خلقٌ كثير، فأينما تذهب أمريكا يذهب الناس وإن كان سياق حركتها خارج عن حدود العلم.

أرني قليلا من اللحم ، أرني بعضًا من المال !

ومن هنا ظهر شعار الجمعية الملكية في لندن "لا تأخذ بكلام أحد دون دليل" (Nullius in Verba)  فالادعاءات ليس لها أي محل في المجال العلمي، فالعلم لا يعترف ولا يوجه من قبل أي سلطة دينية أو جهة سياسية، إنه أدوات وأساليب منهجية تتجسد في سلسلة من الخطوات الميدانية والمخبرية لتصل في النهاية إلى الحقيقة والقانون.

أرني قليلًا من اللحم أو بعضا من المال هي الأمثلة الشعبية التي جاءت كناية عن "أرني دليلا لا كلامًا" وبعيدًا عن تفاصيل النصوص الدينية يجب القول بأن مجلة الطبيعة هي الأخرى ليست ملاكًا محصنًا من الزلل والعيوب، إذ لا مجال في تقديس الاسم أو الجهة مهما بلغت شأنها ، فالنتيجة الحتمية يجب أن تنبع من عين التجربة والأدلة العلمية والبراهين التي لا يمكن نقضها!

الفرضية والنظرية والقانون!

عند سقوط قلم إلى على السجادة، قد يتكهن البعض ويفترض عند المشاهدة الأولية بأنَّ سبب هذا الحدث بأن الأقلام تنجذب إلى السجادة!!

قد تكون هذه الفرضية التي جاءت عبر الملاحظة غير منطقية أو منطقية ولكن يجب هنا اختبار تلك الفرضية لدحض أو تثبت هذه الفرضية بصورة مستقلة بعيدًا عن أي تحيّز! لذلك فإنني أقوم بعدة تجارب مثل تعليق السجاد على جوانب الحائط ووضع الأقلام على الأرض! فهل سوف تنجذب الأقلام إلى الحائط؟!

هنا سوف أبدأ باختبار الفرضية ومن ثم رفض تلك الفرضية والبحث عن عدة تجارب مثل افتراض أن الأجسام الأقل كتلة مثل القلم تنجذب إلى الأجسام الأكثر كتلة مثل الأرض، وأقوم بالتجربة على العديد من الأشياء ذات الكتل الصغيرة.

وعند الوصول إلى إجابة علمية تشرح سقوط القلم على السجادة كونها حقيقة علمية مشاهدة، يسمى هذا الشرح بالنظرية. فالفرضية مجرد تخمينات أم النظرية فهي التفسير العلمي القائم على التجربة والبرهان والدليل العلمي، كذلك الأمر التبس ويلتبس على الكثيرين الذين عندما يسمعون في الوهلة الأولى (نظرية التطور) يظنون أنها نظرية أي مجرد افتراضات. وهذا خطأ كبير لأن التطور واقع مشاهد ومرصود في الواقع الخارجي لا يمكن إنكاره.

"فالأدلة تراكمت عليها من جميع فروع علوم الحياة، من علم الأسماك وإلى علم الفطريات، وعلم الجينوم الذي يختص بدراسة الخصائص الجزيئية لأشكال الحياة المختلفة  مرارًا وتكرارًا ولآلاف المرات، وفي مختبرات عالمية بأن داروين كان صائبًا. فعلماء البيولوجيا الجزيئية الذين يدرسون تسلسل الجينات في مدينة نيويورك لا تربطهم أي علاقة مع علماء البيولوجيا الأستراليين الذين يتعقبون سلوك الكنغر في التزاوج" وبالرغم من عدم صلة القرابة أو وجود أي مصلحة مادية بينهما إلا أن كلاهما توصلا إلى نفس الحقيقة والتي تصب لصالح نظرية التطور التي أتى بها داروين وأصبحت أساسًا في العلوم الحديثة لتفسير ما يحدث من تطور وانتواع.

لذلك تراجع الموقف الأمريكي المناهض لحقيقة التطور عندما نشرت الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم تصريحًا صاعقًا تقول فيه "نظرية التطور البيولوجي هي أكثر من مجرد نظرية" إنها مثل النظرية الجرثومية لأسباب الأمراض، والنظرية الفيزيائية لتفسير الجاذبية لا يختلف التطور عنها في شيء إطلاقًا.

وقد كتبت الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم (United States National Academy of Sciences) في كتيبها الذي تقدمه بشكلٍ مجانيّ بعنوان "العلم ، التطور والخلقية" قائلة "هذا الكتيب موجه إلى جمهور واسع من طلاب المدارس ذات الجودة العالية، وطلاب الجامعات، فضلا عن البالغين الذين يرغبون في أن يصبحوا أكثر إلمامًا بالجوانب المتعددة للأدلة العلمية الداعمة للتطور، وأكثر فهما في أن التطور هو حقيقة وعلمية على حد سواء، تؤثر في تنوع الحياة على الأرض"

الهجوم الديني

استمر الهجوم على جاليليو جالي مدة طويلة من الزمن في حقيقة  أن الأرض ليست مركزًا للكون وأن ذلك يخالف ظاهر الكتاب المقدس، ولكن بعد 500 عام قدمت الكنيسة اعتذارها الرسمي بشأن ما فعلته في جاليليو من محاولة قتل وحبس وحجر منزلي ... كذلك فإن بعض الجماعات الدينية ما زالت تشن حربها الشعواء على حقيقة التطور ليس لأن التطور حقيقة علمية كما أسلفنا، ولكن انتصارًا للكتاب المقدس، بالرغم أن تلك الجماعات تأول نصوص الكتاب المقدس وتعترف بأن ظاهر النص قد يعني بها وجهًا آخر.

لذلك لخص عالم الأحياء التطوري شون كارول في مقابلته مع مجلة اكتشف (Discover) بشأن التطور "إنها قضية ثقافية وليست قضية علمية. فعلى الجانب العلمي تزداد ثقتنا سنويًا لأننا نرى خطوطًا مستقلة من الأدلة تتلاقى معًا. وما تعلمناه من السجل الأحفوري يؤكده سجل الحمض النووي، ويؤكده علم الأجنة. ولكن الناس قد أثيروا لرفض التطور، ولإبقاء أفكار أخرى أعلى قيمة من هذه المعرفة.

في الوقت نفسه، نحن نعتمد بشكل روتيني على الحمض النووي لإدانة وتبرئة المجرمين. ونعتمد على العلوم في أشياء أخرى كاختبارات الأبوة. وكذلك نعول على علم الحمض النووي سريريًا لتقييم خطورة أمراضنا ... إنها غباوة عمياء وأعتقد أن هذه هي المرحلة التي سوف نصل إليها في نهاية المطاف."

 

ما هو التطور (التضاعف ، التمايز ، الانتقاء)

ليس هناك شيء بذاته يدعى التطور، بالمعنى الحرفي، وإنما هناك ثلاثة حقائق مستقلة تؤدي إلى ما نسميه التطور :

1-       حقيقة أن أشكال الحياة تنتج الذرية وتسمى (التضاعف)

2-       حقيقة أن الذرية غير متطابقة مع الأبوية. وتسمى (التمايز)

3-       حقيقة أن الذرية لا تتمكن جميعها من البقاء على قيد الحياة (الانتقاء)

 

وهذا ما سيتم شرحه بالتفصيل بأدلة علمية حقيقية في المخلصات القادمة...

تلخيص : حسين قمبر



[1] مخلص كلام عالم البيولوجيا التطورية نيلز إلدريدج