الجمعة، 28 أبريل 2017

الجغرافيا أم العلوم ! لماذا ؟ نموذج الجغرافيا المناخية



الجغرافيا أم العلوم ! لماذا ؟
نموذج الجغرافيا المناخية

العلوم الطبيعية والتطبيقية لا تنفك عن العلوم الإنسانية بأي شكل من الأشكال. فالعلوم الحوسبية مرتبطة بالرياضيات والإحصاء والإحصاء يعتمد على العلوم المسحية والسكانية والكيمياء تعتمد على الفيزياء والرياضيات والجيولوجية ..... وهكذا دائرة لا متناهية منتهية لا يمكن التوقف على كل حيثياتها.
الجغرافيا هو الآخر يمثل نموذجاً مصغراً من دائرة تلك العلوم واستهلال هذا البحث عنوان "الجغرافيا أم العلوم" هو لحاظ نسبي وليس معياراً مطلقاً، فالكيمياء والفيزياء والعلوم الإنسانية والطبيعية ... قد تكون هي الأخرى أماً للعلوم حينما تكون مركزاً تدور حولها بقية العلوم .
المناخ إحدى الأفرع التي تتطرق لها الدراسات الجغرافية وقد ألفت عشرات الكتب التي تدرس الجغرافيا المناخية مثل "خرائط الطقس والمناخ" أو "الجغرافية المناخية" أو "الجغرافية الطبيعية" أو "مدخل إلى علم الجغرافية المناخية"...
لن أقف في هذا البحث على التطور والنمو التاريخي لعلم الجغرافي الذي اهتم به الإنسان الأول، ولكن يلفت الانتباه ويؤكد على تداخل العلوم هي العلاقة الوشيجة بين هذه العلوم .
المناخ في الدراسات الجغرافية يُعد نموذجاً يجسد دوران العلوم في فلك واحد، فالمناخ كفرع جغرافي يستظل تحت أقسام عديدة من العلوم الأخرى .
فهناك
1-      المناخ الوصفي.
2-      المناخ الاقليمي.
3-      المناخ الطبيعي.
4-      المناخ الماضي (التاريخي).
5-      المناخ الحركي.
6-      المناخ الأرصادي.
7-      وهناك المناخ التطبيقي الذي يتفرع منه أقسام أخرى مثل
أ‌-        مناخ العمران.
ب‌-    المناخ الحيوي.
ت‌-    المناخ الطبي.
ث‌-    المناخ الزراعي.
فالمناخ الوصفي : على سبيل المثال يتطلق معرفة وخلفية قوية في مجال العلوم الحديثة كالكيمياء والفيزياء والحاسب الآلي والصور الجوية لأنها تتطرق إلى دارسة عناصر المناخ المختلفة كالحرارة والضغط الجوي والرياح والأمطار والرطوبة والتبخر ، بل يتطلب معرفة في فن الرسم لأنه يعرض الرسوم البيانية وأشكال الخرائط المناخية.
أما المناخي الطبيعي : كنموذج آخر فهو الميزان لتفسير العلاقات المتبادلة بين الظواهر المناخية وأسباب حدوثها والقيام بتعليلها وهذا يتطلب معرفة جيدة في علوم الطبيعة والرياضيات والاطلاع على المنهجية التحليلية والإحصائية لدراسة الموازنة الحرارية والموازنة المائية للأرض والهواء وتلوث الهواء القريب من سطح الأرض ودراسة القوانين الطبيعية التي تربط عناصر المناخ والظاهرات المناخية.
أما المناخ الاقليمي : فهو يتطلب معرفة بعلم المساحة والرسم والأقمار الصناعية والسياسة ... لأنه يهتم بمعرفة مناخ الأرض وتوزيعه وتقسيم المناخ إلى مناطق مناخية صغيرة متشابهة ومتجانسة تشكل وحدة مساحية يمكن مقارنتها بمنطقة أخرى من سطح الأرض، فضلا عن تحديد خصائص كل إقليم وتصنيف مناخ الأرض ورسم خرائط للأقاليم المناخية.
أما المناخ الأرصادي : أو كما يسمى بالشمولي أو الإجمالي فهو يتطلب معرفة وإلمام بعلوم الفيزياء وتحليل الصور الجوية باعتباره يدرس المناخ المحلي والاقليمي ويعرض العلاقات بين عناصر الطقس بشكل فردي ومجتمعة بالحركة الهوائية للغلاف الجوي.
والمناخ الماضي يمكن أن يصنف بالمناخ التاريخي ويتطلب هذا الشق معرفة كبيرة بالتاريخ والآثار وطرق تحليل الحفريات والذي يتبناه فرع "الأنثروبولوجيا" أو ما يعرف بـ "علم الإنسان" لأن هذا الشق يتعرض إلى دراسة المناخ القديم للأرض والبحث عن العوامل والأسباب التي أثرت في المناخ القديم والتقلبات التي حدثت في الأزمنة السابقة طويلة كانت أم قصيرة. ويهدف هذا الفرع إلى وضع تصور للتوزيع الجغرافي للمناخ القديم للأرض على ضوء ما توفر من أدلو جيومورفولوجية وحيوية ناتجة عن عوامل التعرية المائية والهوائية والجليدية واختلاف منسوب مياه الأنهاء وما نتج عنه من مصاطب نهرية وسبخات وبقايا حيوانات ونباتات متحجرة مطمورة في الأرض ورسوم وأشكال لبعض الأدوات التي كان يستخدمها الإنسان في الماضي كالقوارب ورسوم لحيوانات كانت سائدة في الزمن السالف.
وهناك المناخ الحركي الذي يتطلب هو الآخر إحاطة بعلم الفيزياء والرياضيات حيث يدرس هذا الفرع حركة الهواء الأفقية والرأسية كأسباب وآثار ناتجة عنها والكتل الهوائية والجبهات الهوائية والدورة الهوائية على النطاقين الاقليمي والعالمي.
ثم يأتي المناخ التطبيقي العلمي والتحليل للمعلومات المناخية حيث يتعلق بالشق البشري من حيث الرفاهية وتوفير الصحة ومصلحة البشر. فهو يتناول العلاقة بين المناخ والموجودات على سطح الأرض من جمادات وظواهر طبيعية وأحياء مختلفة.
ومن أفرع المناخ التطبيقي مناخ العمران والمدن والذي يتطلب دراسة في مجالي التخطيط والعمران بل حتى في مجال الجيولوجية والهندسة والسياسة، فمناخ العمران والمدن يهتم بدراسة اختيار الموقع الأنسب للمستوطنات البشرية والقيام بتخطيطها بما يتلاءم مع البيئة المناخية، كذلك يقوم باختيار مواد البناء المناسبة لتلك البيئة وهذا يتطلب علماً بالأحجار (الصخور) و الكيمياء (المواد التي تتركب منها تلك المواد). ويهتم بتوفير المواصفات الجيدة للمباني بحيث تناسب البيئة المناخية كتصميم المباني واتجاهها .....
ويأتي فرع آخر للمناخ التطبيقي وهو المناخ الحيوي ، الذي يدرس العلاقة ما بين المناخ والأحياء كالنبات والإنسان والحيوان وفهم أثر المناخ في توزيع النباتات الطبيعية والحيوانات على سطح الأرض. ودراسة البيئة المناسبة لحياة ونمو الكائنات النباتية والحيوانية المختلفة. لذلك فإن هذا الفرع يتطلب التخصص في مجال علمي الأحياء والنبات والحيوان.
والمناخ الطبي المتفرع من المناخ التطبيقي يدرس "مدى تأثير المناخ العام وتقلباته اليومية والفصلية  في صحة الإنسان وحيويته. ويتناول المناخ الطبي أيضا دراسة وتحليل علاقة المناخ بتوزيع وانتشار الأمراض على سطح الأرض، والأسباب المناخية لتواجد بعض الأمراض نتيجة اختلاف فصول السنة، وما يترتب عليه من اختلاف الحرارة والبرودة والرطوبة وحركة الهواء. ومعرفة دور عناصر المناخ منفردة ومجمعة في انتشار الأمراض والأوبئة، وانتقالها من مكانها الأصلي أو مكان نشأتها إلى مناطق جغرافية أخرى من سطح الأرض. وهذا يتطلب معرفة في المجال الطبي مثل أنواع وأسماء الأمراض وأسبابها"(المدخل إلى الطقس والمناخ، إبراهيم الأحيدب، 73)
ونقف أخيرا على المناخ الزراعي الذي يتطلب معرفة كبيرة في مجال علم الزراعة إذ أنه يدرس العلاقة ما بين المناخ والزراعة والتأثير الذي يصدر من المناخ على الأنشطة الزراعية والمحاصيل والذي يرتبط هو الآخر بالاقتصاد .
على ضوء ما تقدم فكل العلوم لاشك أنها ترتبط ببعضها فعندما نذكر المناخ سلفاً فنكون قد تطرقنا إلى نموذج مصغر أو أحد النماذج التي ارتبط فيها العلم ببقية العلوم فعندما نقول المناخ فنحن نقول كيمياء وفيزياء وأحياء وهندسة وطب ورياضيات مساحة وحاسب آلي وأقمار صناعية ...... وهذا لا شك بأنه ينسحب على بقية العلوم الأخرى سواء كانت من الفرع الطبيعي أم الإنساني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق