الخرائط الإغريقية (اليونانية)
يمثل
الإغريق في الواقع نقطة تحول حقيقية في مجال علم الخرائط على اعتبار انتهاجهم طرق
علمية دقيقة لرسم الخرائط ، فضلاً عن استفادتهم من الحضارات التي سبقتهم في سلك
الرسم الخرائطي مثل سكان مصر وبابل بحيث سخروا التقدم العلمي في مجالي الفلك
والرياضيات عندهم لرسم خرائط تعتمد على خطوط الطول ودوائر العرض .
إلى
جانب الأمانة العلمية التي تميزت بها مواصفات الخرائط الإغريقية المرسومة بحيث لم
يملئوا المناطق التي لم تصلهم معلومات كافية عنها بالزخارف والرسومات المختلفة كما
هي الخرائط الأوروبية في العصور الوسطى .
استفاد
الإغريق من معرفتهم بخطوط الطول ودوائر العرض وكذلك إيمانهم بكروية الأرض التي
نادى بها الفيلسوف الإغريقي فيثاغورس بداية القرن الرابع قبل الميلاد في إنشاء بعض
الخرائط التي تعود إلى مناطق صغير المساحة تشتغل بالحياة العلمية حيث أطلقوا على
هذه الخرائط مسمى "الكوروجرافيا" Chorography والذي تطور لاحقاً تحت مسمى "الجغرافيا" Geography والذي يعني لهم صورة مصغرة عن الأرض ممثلة على الخرائط
تمثل العالم طبقا ((لمناهج علمية مدروسة، وهو ما نسميه في الوقت الحاضر
بالكارتوجرافيا)) [1]
هيرودوت
تتابعت
إنجازات وإضافات الإغريق في علم الخرائط حيث سطعت أسماء لامعة في الحقبة التاريخية
الإغريقية من أبرزهم "هيرودوت" [485-425 ق.م] .
أنشأ
هيرودوت خريطة تتحدث عن العالم حيث تضمنت الكثير من المعالم التي قام بتجميعها
بنفسه إلا أنه رأى أن تحيط بها بحار من
ثلاثة جهات فقط على خلاف من سبقه من الكارتوجرافيين الذين رسموا الأرض تحيط
بالبحار .
أما
الجهات الثلاثة (البحار) التي تحيط بالأرض فهي اتجاهات الشمال والجنوب والغرب .
أما جهة الشرق فهي الصحراء الممتدة بمساحات مجهولة على افتراضه . ((وتتميز خريطة
هيرودوت بتصحيح لبعض الأخطاء التي وُجدت في الخرائط السابقة مثل إظهار بحر قزوين
بحراً مغلقاً، وجزيرة صقلية منفصلة عن إيطاليا، ولكنه لم يبين في خريطته مدى
امتداد أفريقيا جنوباً لاعتقاده بتعذر سكن هذه الجهات لشدة حرارتها .)) [2]
إيراتوستين
(276 – 195 ق.م)
إيراتوستين
من الأسماء التي سطع نورها في ميدان علم الخرائط ، وقد عمل ((أمينا لمكتبة
الإسكندرية عهد البطالسة، وتمكن من تقدير محيط الكرة الأرضية وذلك بالاستعانة
بمقاييس قدماء المصريين عن طريق قياس اختلاف ميل أشعة الشمس عن سمت الراصد عند كل
من مدينتي الإسكندرية وأسوان في يوم 21 يونيو من كل عام وعلى اعتقاد أن أسوان
والإسكندرية تقعان على خط طول واحد .))[3]
كانت
نتائج العمليات الحسابية التي قام بها إيراتوستين حول محيط الكرة الأرضية بوحدة
القياس القديمة إستديا (Stadia) أن مقدار المحيط هو
250.000 ليضيف عليها لاحقاً 2000 إستديا لتساوي 252.000 إستديا ليكون الرقم صالحا
للقسمة على 360 درجة والتي تمثل مجموع زوايا الدائرة . حيث تكون وفقا لهذه الحسبة
أن الدرجة الواحدة تساوي 700 إستديا .
اختلف
العلماء حول تقدير طول الإستديا وفقاً للقياسات الحديثة ما بين 148- 185 متراً
للإستديا الواحدة . وعلى هذا التقدير ووفقا لتلك القياسات ((يصبح تقدير إيراتوستين
لطول المحيط بالمقاييس المعاصرة يتراوح ما بين 37.000 و 46.620 كم بمتوسط 41.810
كم وهو ما يزيد بنحو 4% فقط عن الطول الحقيقي حسب الأرصاد الدولية المعتمدة حاليا
والبالغ 40.075 كم ))[4]
ومن ضمن الصفحات المطروحة في التاريخ أن
الرحالة كريستوفر كولومبس أخذ بقياسات إيراتوستين عندما اتجه برحلته الشهيرة إلى
جزر الهند الشرقية والتي أسفرت عن اكتشاف أمريكا.
أما الخريطة التي رسمها إيراتوستين الإغريقي
والتي تشير إلى العالم (كما في الصورة السابقة) اتخذت الشكل المستطيل وتتمثل فيها
جميع قارات العالم المعروفة آنذاك، ثم قام بتغطيتها بشبكة من خطوط الطول ودوائر
العرض العمودية والأفقية .
كراتيس
المالوسي Crates Of Mallus
صنع كراتيس المالوسي الذي عاش في القرن
الثاني قبل الميلاد مجسما عن كروية الأرض لأنه كان مقتنعا بأفكار إيراتوستين عن
كروية الأرض .
رسم كراتيس على سطح المجسم الذي صنعه محيطان
متعامدان أحدهما استوائي والآخر يمتد من جهة الشمال وينتهي جنوباً . وبذلك تقسم
الأرض إلى أربع كتل تمثل اليابسة وتقوم بحفظ التوازن للكرة الأرضية . ليتصدر بهذه
التقسيمات التنبؤ الأول حول جود الأمريكيتين وأستراليا .
مجسم الكرة الأرضية التي صنعها كراتيس
المالوسي
|
إسترابو
Strabo (63 ق .م – 23 م)
لقد عاش المؤرخ والفيلسوف والجغرافي الإغريقي
في أحضان روما في ظلال الحضارة الرومانية حيث كثرت أسفاره بغية جمع معلومات هائلة
تتعلق بالمجال الجغرافي . حيث ألف كتاباً مكونا من (47) جزءً تحت عنوان
"ذكريات تاريخية" ولكن فقد هذا المجهود العظيم ولم يعثر إلا على كتابه
المعنون بـ "الجغرافيا" والذي يتألف من (17) جزءً ، حيث يمثل ((مصدراً
أساسياً لمعلوماتنا عن تطور العلوم بصفة عامة والكارتوجرافيا الإغريقية بصفة خاصة
.))[5]
لقد
نقح إسترابو في كتابه الجغرافيا آراء من سبقه من الجغرافيين خاصة إيراتوستين
وكراتيس، إلى جانب احتواء كتابه على خريطة ذات مقاييس تتعلق بعصره تشير إلى قارة
أوروبا .
خريطة
أوروبا كما رسمها إسترابو
|
كلاديوس
بطليموس Claudius
Ptolemy (90 – 168 م)
ولد العالم الإغريقي بطليموس في مصر ويمكن
القول أنه الأشهر بين علماء الخرائط الإغريقيين ، فهو ((أول من وضع أسس
الكارتوجرافيا العلمية)) [6]
لبطليموس كتابين يضمان تراثه العلمي وهما
"المجسطي" و "الجغرافيا" ، وقد احتوى كتابه المجسطي على كافة
نظرياته الفلكية إضافة إلى أرصاده التي استمر بقاؤها وتداولها حتى اكتشافات نيوتن
( ق 17 ميلادي) ، وبالنسبة إلى كتابه الجغرافيا فقد اقتصر على الخرائط ومتعلقاتها
. لذلك فإن كتابه الجغرافيا يمكن تصنيفه على أنه من الأطالس العامة للعالم .
كتابه الجغرافيا وضع في ثمانية أجزاء تناول
فيها المقدمة عن ((الخرائط وطبيعة الآلات التي يستخدمونها، كما ناقش فيه بطليموس
الأسس النظرية لشكل الأرض وأبعادها واهتم فيه بدراسة المساقط .)) [7]
أما الأجزاء الأخرى (6) من الكتاب فقد
استعرضت كشوف لثمانية آلاف موقع بأسمائهم مضاف إليها تقدير خطوط الطول والدوائر
العرض لكل منها .
أما الجزء الأهم من كتابه الجغرافيا فهو
الأخير (الثامن) على اعتبار اشتماله الطرق الخاصة لرسم الخرائط والطرق التي من
خلالها يتم معرفة عمل الأرصاد الفلكية .
وقد اشتمل كتاب بطليموس على خريطة تضم أقاليم
العالم واضعها عليها خطوط الطول ودوائر العرض ليحدد مواقع المدن ، إلى جانب تقسيمه
العالم إلى سبعة أقاليم طبقا لاختلاف أطوال الليل والنهار ابتداءً من دائرة الاستواء
وانتهاءً إلى الدائرة القطبية .
وتضمن كتابه الجغرافيا أيضاً عدد (26) لوحة
تفصيلية عن أجزاء العالم المختلفة . لأوروبا منها عشر لوحات وأفريقيا أربع لوحات
واثنتا عشر لوحة تختص بآسيا ، إضافة إلى مجموعة من الخرائط لمناطق صغيرة في
مساحتها تقدر بعدد (67) خريطة .
خريطة أقاليم العالم
كما وضعها بطلميوس
|
السلام عليكم ورحمة الله دحسين كل الشكر للمجهود الرائع ...هل يمكن ان اطمع برابط لكتاب الخرائط قديما وحديثا للدكتورة مها ... كل الشكر لحضرتك.ايميلي abla.elshaikh2013@gmail.com
ردحذف