علم التقليد الأحيائي
نموذج عباد الشمس - المدينة العضوية
برلين
تقديم
بدأ الإنسان منذ الخلق الأول في تقليد النظم
الكونية التي تحيط من حوله ، فغدى ينهل من تلك النماذج الكونية كالظواهر الطبيعية
و عالم الحيوان والطيور والحشرات ويجعلها قوالب يصب فيها صناعاته وبلورت أفكاره
ونظرياته وفق النظام الكوني أو النموذج الحي أو الخارجي مع بقاء الفواق بين
النموذج الأول (المثال) وبين (الصناعات ، الأفكار الحديثة ، الاكتشافات ....)
فظهرت معالم تلك الممارسات على أرض الواقع
منذ عمر آدم الأرضي وفقا للنظام السنني الذي أرسى الله قواعده في الكون والفطرة
البشرية حيث يقول (وَمَا مِن دَآبَّةٍ
فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) [1]
.
وإذا ما اتينا إلى قصة ابني آدم عليه السلام
(هابيل = المقتول) ، و (قابيل = القاتل) نجد أن الأخ القاتم قابيل قد استعان
بالغراب كمثال خارجي لبناء تابوت يدفن فيه أخيه هابيل ، لنلحظ خلو تلك الفترة من
أبسط المعارف وهي دفن الموتى .
يقول تعالى (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ
فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا
أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [2]
علم الأحياء التقليدي
بيوميميتك" أو علم التقليد الأحيائي، هو علم يبحث في
الطبيعة أو يحاكيها بشكل كبير للحصول على حلول للمشكلات المختلفة، بمعني تصنيع
أجهزة وأشياء فكرتها مقتبسة من الطبيعة، أو محاولة لتصنيع هذه الأشياء نفسها وليس
مجرد تقليد.[3]
وهو دراسة البنى البيولوجية
[و] وظائفها». ويضيف ان هذه الدراسة هي بهدف ‹استنباط افكار
جديدة وتطوير هذه الافكار لإنشاء انظمة اصطناعية مشابهة للانظمة
البيولوجية›.
يقول العالم ستيفن واينرايت ان «علم التقليد الاحيائي سيطغى على علم الاحياء
الجزيئي ويحل محله بصفته العلم الاحيائي الاهم والاكثر تحديا في القرن الـ ٢١».
ويعلن الپروفسور ميمت ساريكايا: «نحن على عتبة ثورة في اكتشاف مواد
جديدة لا تقل اهمية عمّا حدث في العصر الحديدي والثورة الصناعية. فنحن نقفز
الى عصر جديد من المواد. وأعتقد ان علم التقليد الاحيائي سيغيِّر طريقة حياتنا
جذريا خلال القرن المقبل».[4]
[و]أقيمت مؤخراً ندوة في مركز أبحاث
النسيج في مدينة دينكندورف في منطقة جنوب ألمانيا حول البيوميتيك وتطبيقاتها
الممكنة. وأشهر تطبيقات هذه التقنية هو شريط اللصق (المعروف بفيلكرو Velcro) والذي
يستخدم على سبيل المثال في صناعة الأحذية. فكرة هذا الاختراع البسيط استغرقت
من العالم السويسري جورج دي ميسترال ثماني سنوات حتى تمكن من تطبيقها. فكثيراً ما
شاهد بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بفرو الكلاب أو بألياف بعض الملابس بمجرد
سقوطها من الشجر على السائرين أسفلها. وبعد فترة من التأمل
استطاع العالم أن يحول هذه الظاهرة إلى تطبيق علمي نستخدمه في حياتنا
اليومية. وقد سهلت هذه الشرائط ذاتية اللصق، التي يمكن لصقها ونزعها بسهولة وبسرعة
الكثير من الأعمال.
لكن فهم ما طورته وحسنته الطبيعة (تصحيح: إن
الله تعالى هو الذي خلق وطور هذه الكائنات من حولنا) خلال ملايين السنين ليس
بالأمر السهل كما يؤكد البروفسور توماس شبيك، مدير حديقة النباتات بجامعة فرايبورج
والمتحدث عن شبكة المختصين في تقنية "بيوميمتيك" أو محاكاة الطبيعة.
ويضيف: إن "البيوميميتك ليس نقلاً كربونياً عن الطبيعة، ولكنه ابتكار جديد
مستوحى من أمثلة طبيعية، فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المنتج
النهائي." [5]
سنة ١٩٥٧، لاحظ المهندس السويسري جورج دو
ميسترال ان قشور الثمار الشائكة الصغيرة العالقة بثيابه تكسوها خطاطيف
صغيرة. فانكب على دراسة هذه القشور وخطاطيفها، وما لبثت هذه الدراسة ان
ألهبت عقله الخلاق. فقضى السنوات الثماني التالية يطوِّر شيئا اصطناعيا
يشبه قشور الثمار الشائكة. واكتسح اختراعه العالم، واسمه اليوم مألوف
— الڤلكرو Velcro.
تخيّلوا شعور دو ميسترال لو قيل للعالم
ان الڤلكرو ليس من تصميم احد، وإنما هو حصيلة سلسلة من آلاف الصُّدف التي حدثت
في مشغل. من الواضح ان العدل والانصاف يقضيان ان يُعطى الفضل لمَن يستحقه.
ولضمان ذلك، يحصل المخترعون البشر على براءة الاختراع. نعم، يبدو ان البشر
يستحقون التقدير، المكافآت المالية، حتى الثناء على اختراعاتهم، التي
غالبا ما تكون تقليدا غير متقن للاشياء الموجودة في عالم الطبيعة. أفلا
ينبغي الاعتراف بفضل خالقنا من اجل تصاميمه الاصلية الكاملة الصنع؟[6]
وهناك أفلام وثائقية كثيرة تم إنتاجها تقدم
نماذجاً مرئية كثيرة لعملية تقليد الطبيعة :
فيلم عن عالم تقليد الطبيعية الجزء الأول والثاني
هارون يحيى علم تقليد الطبيعة
الفن المعماري والنظريات التخطيطية
أثناء تطور المراحل الزمنية لنظريات التخطيط
الحضري منذ العصور القديمة حتى التاريخ المعاصر تقدم العلم وتطورات الأدوات
التقنية وهذا ما ساهم في الوصول إلى تصاميم ذات دقة عالية جداً تحاكي الطبيعة من
حيث التصميم على أرض الواقع .
نموذج دوار الشمس (تباع الشمس) والهندسة المعمارية
نموذج مشروع المدرسة
اليهودية غالينسكي هاينز في برلين 1995
The Heinz Galinski School
Location: Berlin, Germany
Architect: Zvi Hecker
النموذج المصمم للمدرسة اليهودية له القدرة على امتصاص
أشعة الشمس المأخوذة من تصميم زهرة تباع الشمس (عباد الشمس مما أوحى إلى بناء هذا
النموذج ) [7]
المدينة العضوية
يقتبس هذا المخطط فكرته من الأعضاء البشرية
وتوزيع عملها في جسم الإنسان ووفقا لهذا التماثل فقد تصور العالم (هانز رانجوف) أن
المدينة هي كائن حي ، أي أن المدينة وأنشطتها كالعلاقة بين القلب والجسم وكيفية
قيام الدورة الدموية ، إذ يتم تصميم المدينة بشكل عضوي حيث توزع أنشطتها حسب سعتها
وتطور عمرانها . [8]
فمركز المدينة عبارة عن القلب ، والشوارع
تمثل أيضا الشرايين ، والمرافق والخدمات تمثل الأطراف ... وهكذا .
وتعد مدينة برلين من المدن التي طبقت عليها
فكرة المدينة العضوية . مدينة برلين Berlin
عاصمة جمهورية ألمانية، مساحتها 890.86 كم2 وهي
المدينة الأولى في البلاد بعدد سكانها نحو 3.5 مليون نسمة
الخاتمة
اتسمت النظريات التخطيطية الحضرية بجمعها بين
النظريات التخطيطية والفن الكوني إن صح التعبير، إذ سخر بعض المخططين المعماريين
قدرتهم في الاستفادة من النماذج الكونية لبناء مخططات عمرانية صحية في الدرجة
الأولى وذكية في الدرجة الثانية لأنها ترجع إلى البنية الكونية التي يغلب عليها
طابع الدقة والتنظيم .
[3] http://www.mhtrvon.com/vb/pro170693.htm نقلا عن كتاب "علم التقليد الأحيائي تصميم
المواد وصناعتها ووظائفها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق