سلسلة
كيف تكتب بحثاً علمياً ؟
معايير وخصائص البحث العلمي
معايير وخصائص البحث العلمي
الجزء الأول
اكتسب البحث مدلولاً لغوياً ومعجمياً
ففي المدلول اللغوي :
البَحْثُ طَلَبُكَ الشيءَ في التُّراب بَحَثَه يَبْحَثُه
بَحْثاً وابْتَحَثَه وفي المثل كالباحِثِ عن الشَّفْرة وفي آخر كباحِثةٍ عن
حَتْفها بظِلْفها وذلك أَن شاةً بَحَثَتْ عن سِكِّين في التراب بظِلْفِها ثم
ذُبِحَتْ به الأَزهري البَحُوثُ من الإِبل التي إِذا سارتْ بحثت الترابَ بأَيديها
أُخُراً أَي ترمِي إِلى خَلْفِها . بن منظور ،لسان العرب .
وفي المعجم الوسيط :
الأرضَ وفيها ـَ بَحْثاً: حَفَرها وطلب الشيءَ فيها. وفي
التنزيل العزيز: {فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ}. و ـ
الشيءَ وعنه: طلبه في التراب ونحوِه، وفَتَّش عنه. و ـ الأمرَ وفيه: اجتهد فيه،
وتعرَّفَ حقيقته. و ـ عنه: سأل واستقصى، فهو باحث، وبَحَّاث، وبَحَّاثة. والبَحْثُ: بذْلُ الجهد في موضوع مّا، وجمع
المسائل التي تتصل به. - ـ ثمرة هذا الجهد ونتيجته.
والبحث بحسب بعض العلماء المتخصصين : ((عملية علمية،
تُجمع لها الحقائق والدراسات، وتستوفي فيها العناصر المادية، والمعنوية حول موضوع
معين دقيق في مجال التخصص لفحصها وفق مناهج علمية مقررة، يكون للباحث منها موقف
معين ليتوصل من كل ذلك إلى نتائج جديدة .)) د.قصي الحسين ، كتابة البحوث العلمية ص:
20
- · معايير البحث العلمي
يخلط الكثيرين بين التقارير التي لا تتجاوز عدة صفحات
وتتخذ صياغات معينة وتقسيمات مختلفة، أو المؤلفات التي تحتوي على جمع من المعلومات
، أو الكتب المدرسية أو المقالات الصحفية
الطويلة فمهما كانت المادة المقدمة فيها ووثاقتها إلا أنها لا تخرج عن إطار جمع
المعلومات والحقائق والقضايا المسلم بها
في المجال التخصصي، لذلك هي لا تدخل تحت مسمى البحث العلمي وإن كان ((جمع
المعلومات في البحث العلمي هو جزء منها . غير أنه ليس هو كل البحث أو الجزء الأهم
منه )) قصي حسين، كتابة البحث العلمي، ص : 21
فجمع المعلومات التاريخية ووصف حالة من الحالات أو قضية من القضايا أو
تطوير مشروع يرتكز على معلومات موثقة علمياً ومعروفة سابقاً أو حتى إنشاء برامج في
الحواسيب لعمل إحصائيات تحليلية كلها عناوين لا تدخل في فلسفة البحث العلمي إن
لم يوجد فيها التطوير والابتكار والإضافات الجديدة وإلماعات لم يسبق للباحثين
طرحها في بحوثهم لا تصنف ضمن البحث العلمي. فالبحث التاريخي على سبيل المثال إن لم يكن ثمة تحليل وفحص
للأفكار المسطرة فيه لم لا يقع تحت طائلة البحث العلمي وكذلك وصف قضية معينة إذ
لم يكن توضيحاً لنظرية أو فكرة جديدة فلا يعد بحثاً مبتكراً علمياً أضفى الجديد
وحل وانتقد .
إلى جانب ذلك، فإن حجم البحث كان كبيراً أم صغيراً ليس
مقياساً لجودة البحث العلمي أو معياراً يقاس ويحكم من خلاله على البحث العلمي . بل
يلتفت العلماء إلى ((مضمون البحث وخصائصه من جهة وإلى الجوانب التي تصاغ له في
ضوئها، وحسب قوانينها المعتمدة أو المتعارف عليها .)) قصي حسين، كتابة البحث
العلمي، ص : 22
ونجد التراث الإسلامي قد أشار إلى هذه النقطة بالتحديد
حيث لم يعر اهتماماً إلى حجم الحقيقة أو المعلومة بل أولى اهتمامه إلى جوهرها
ومعناها وأعطى ميزان الوسطية في البحث فلا طغيان ولا تخسير كالميزان، حيث الطغيان
أو الإطناب والإيجاز، ((فلا إطناب ممل ولا إيجاز ممل)) معجم اللغة العربية المعاصر
.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام
: "خير الكلام ما لا يملّ و لا يقل" غرر الحكم، ص : 355
- خصائص البحث العلمي
1-
الخصائص الموضوعية
إن حصر الدراسة وصب الجهد على الموضوع قيد البحث، بعيداً
عن الاستطراد والخروج عن الموضوع والتطرق لنقاط لا صلة لها بالموضوع بصورة مباشرة
أو نقطة البحث يسهم في تشتيت أفكار القارئ ولا يقدم المشهد الواضح لهذا البحث
لمجانبته موضوعه الذي يبحث فيه . لذلك هو يستنزف وقتاً لا يسمن ولا يغني من جوع في
بحثه بدل أن يستغل جل وقته في التركيز على تقديم الجديد والإبتكار في موضوعه مما
يؤثر على مستواه العلمي فضلاً عن الصفحات الزائدة التي ستملأ بحثه . ويقول الإمام
علي أبن أبي طالب (ع) مؤكداً هذا المعنى :
"أَحْسَنُ الْكَلَامِ مَا زَانَهُ حُسْنُ النِّظَامِ وَ فَهِمَهُ
الْخَاصُّ وَ الْعَامُّ." غرر الحكم، ص : 124
إضافة إلى أهمية التجرد من النزعات والأفكار الشخصية، أو التحيز والوقوف
لأفكار مسبقة أو شخصيات معينة بهدف الانتصار لها ، فكل هذه المؤثرات يجب الابتعاد
عنها وإزالتها عند العزم على كتابة البحث العلمي وتقديم النتائج أو طرح الانتقادات
حوله .
((فليست أهمية العلوم وعظمتها في الحقائق التي أظهرتها،
بقدر ما هي كامنة في الطريقة، وفي الروح العلمية التي تبحث بها الحقائق )) قصي الحسين،
كتابة البحث العلمي ، ص : 23
2-
الخصائص
المنهجية :
المنهجية من المنهج والنهج أي الطريقة والأسلوب فهو
((طريقة تنظيم المعلومات بحث يكون عرضها عرضاً منطقياً سليماً : متدرجاً بالقارئ
من السهل إلى الصعب، ومن المعلوم إلى المجهول، منتقلاً من المسلمات إلى الخلافيات،
متوخياً في كل ذلك انسجام الأفكار، وترابطها )) قصي الحسين، كتابة البحث العلمي ، ص
: 23
((فهو فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما
من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين
حين نكون بها عارفين .)) سلطان، حنان، غانم،
أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق، ص : 73
((فالبحث العلمي يعرف من العنوان الذي يجمع بين الجدة،
والدقة والتبويب، وما بين الفصول والفقر من ترابط، وتجانس، وتناسب، والهوامش وما
هي عليه من إيجاز في الدلالة على المصادر ثم ما يصحب كل ذلك من فهارس، وقائمة تامة
للمعلومات عن المصادر والمراجع ..)) خضر، عبدالفتاح، أزمة البحث العلمي في العالم
العربي، ص : 12
يقول الإمام علي (ع) : أَحْسَنُ الْكَلَامِ مَا لَا تَمُجُّهُ الْآذَانُ وَ لَا يُتْعِبُ فَهْمُهُ
الْأَفْهَامَ [الْأَذْهَانَ] غرر
الحكم، ص : 210
ويقول : أَبْلَغُ الْبَلَاغَةِ مَا سَهُلَ فِي الصَّوَابِ مَجَازُهُ وَ حَسُنَ [و
أحسن] إِيجَازُه . غرر
الحكم ، ص : 210
على ضوء ذلك فإن جودة مناقشة الباحث في موضوع بحثه وحسن الرأي وسيطرته على
مسار المادة وإعرابه الكلمات وفق قواعد اللغة العربية وربطه بين المقدمة والخاتمة
وابتعاده على لغة التطويل والثرثرة من السمات المنهجية التي ينبغي أن يتميز بها
البحث والباحث .
إذ ((نرى أن البحث العلمي، إنما تكون جدواه العلمية والاجتماعية بمقدار
أصالة الأفكار التي يعبر عنها البحاث والتي يجب أن تأتي معبرة في الأساس عن تفهمه
للمادة العلمية وعن منهجيته في عرضها، وكذلك الأمر حين يقوم بمناقشتها بأسلوب علمي
هادئ متجرد، دون أن يتخلى عن الالتزام بالجوانب الفنية المطلوبة للبحث العلمي
الأكاديمي الأصيل . ))، ضيف، شوقي، البحث الأدبي، ص : 10
والأمر الأخير الذي يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار ويكن نصب أعيننا، هو أن البحث
العلمي ليست مجرد عملية لجمع المعلومات والبيانات والحقائق ولكن ((تفسير الباحث
لهذه الحقائق، وبيان معانيها، ووضعها في إطار منقطي مفيد هو الذي يميز التفكير
العلمي عن سواه فالبحث يتطلب الفكر)) بندر، أحمد، أصول البحث العلمي ومنهاجه،
ص: 51 وأحسن التقدير ووضع الأمور في أماكنها السليمة يقول تعالى { إِنَّهُ
فَكَّرَ وَ قَدَّر} المدثر :18
لذلك جاء الأمر الإسلامي بالتخلق بأخلاق الله والتأدب بآدابه قال الإمام
جعفر الصادق (ع) : فَتَأَدَّبُوا
أَيُّهَا النَّفَرُ بِآدَابِ اللَّه .. الكافي، 5/70
حيث تقتضي هذه الآداب وضع الأشياء في محلها وإنزالها بقدرها والتحلي بالحكمة
والبيان الواضح المحكم الشافي، والاتصاف بالإتقان وبديع الصنعة والخلقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق