الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية
نعرف كجغرافيين أن الجغرافيا السياسية هو علم
وصفي وتحليلي يقوم بمعالجة العلاقات المكانية المرتبطة بالوحدة السياسية .
لا يمكن فصل الجيوبولتيكا عن الجغرافيا
السياسية بل نقول أن العلاقة بينهما علاقة الكل من الجزء ، بمعنى أن الجيوبولتيكا
فرع من الجغرافيا السياسية .
ويقول كارل هاوسهوفر بقوله ((إن الجيوبولتيكا
وليدة الجغرافيا السياسية؛ لأنها المحرك لما يتناوله هذا العلم الأخير من حقائق
فتجعل منها مادة يستعين بها الزعيم السياسي .))
إذن فما هي الجيوبولتيكا ؟
في الواقع لقد تطورت الجغرافيا السياسية في
القرن التاسع عشر حيث تمخض عنها مفهوم جديد يُعرف بـ "الجيوبولتيكا"
بالرغم أن الجيوبولتيكا كأفكار هي قديمة وتعود إلى العصر الإغريقي إلا أنه تقعد
كعلم بشكل حزمة تحمل نظريات وقواعد علمية منظمة فقد كان ذلك في مطلع القرن العشرين
.
الجيوبولتيكا : هو مصطلح مكون من كلمتين
إغريقيتين
1-
Geo وتعني الأرض .
2-
Politique وتعني سياسة
الدولة .
على ضوء ذلك، فإذا كانت الجغرافيا السياسية
تعالج العلاقات المكانية المتصلة بالوحدات السياسية فإن الجيوبولتيكا تعالج نفس
الموضوع ولكن ((في إطار المصالح العليا وفي إطار السياسة الدولية))
تطور مفاهيم الجيوبولتيكا
لا يخفى علينا كما تقدم أن الجيوبولتيكا
مصطلح جديد برزت ملامحه في مطلع القرن العشرين على يد العالم السويدي "رودلف
كيلين"
حيث كان أول ظهور لهذا المصطلح في كتابه الذي صدر عام 1917م تحت عنوان
"الدولة كمظهر الحياة"
وقد
عرف كيلين الجيوبولتيكا بأنها ((نظرية الدولة ككائن جغرافي أو ظاهرة تشغل حيزا من
الأرض))
ثم تتالت المفاهيم واحدة تلو الأخرى ، حيث
عرف جون كيفير الجيوبولتيكا في كتابه "الحقائق والقوى العالمية" بأنها
((تتكون من عدة أشياء ولكنها في الأساس عبارة عن نهاية السلوك الأولي الذي يعتبر
فيه الدولة الأم الحقيقة الأساسية، لذا فهي تكون قاعدة تقوم عليها السياسة
الخارجية أو قد تكون الساسة الخارجية بذاتها))
أما
مجلة الجيوبولتيكا الألمانية فقد عرفت الجيوبولتيكا عام 1928م بأنها ((علم علاقة
الأرض بالعمليات السياسية . وأن موضوعها يقوم على قاعدة جغرافية عريضة ولا سيما
على الجغرافيا السياسية التي هي علم الكائنات السياسية في مكانها وبيئتها)) .
وأيضا جاء ((العلم الذي يبحث في درجة اعتماد
الأحاديث السياسية على الأرض وهي قائمة على الأسس العامة لعلم الجغرافيا السياسية
التي تبحث في التنظيمات السياسية للمجال الأرضي وكل من العاملين المكاني
والزماني))
أما
معهد ميونخ للجيوبولتيكا فقد قدم عدة تعاريف أبرزها
-
الجيوبولتيكا : هي النظرية التي تبحث عن قوة
الدولة بالنسبة للأرض .
-
الجيوبولتيكا : هي العلم الذي يبحث في
المنظمات السياسية للمجال الأرضي وتكوينها .
-
الجيوبولتيكا : هي الأساس العلمي الذي يقوم
على فن العمل السياسي للدولة في كفاحها المميت من أجل حصولها على مجالها الحيوي .
أما العالم الجغرافي الفرنسي
"ديمانجون" عرف الجيوبولتيكا بأنها ((عبارة عن مسعى وطني الغرض منه
الدعاية والتعليم ، وأنها دراسات تهدف إلى تبرير الأهداف السياسية لدولة معينة)) .
تطور
الجيولولتيكا
بالرغم من حداثة علم الجيوبولتيكا إلا أن له
جذوراً ترجع إلى أرسطو (383-322 ق.م) إلى الدولة المثالية في كتابه عن السياسة ،
حينما ذكر أهم العناصر التي تساهم في قيام الدولة والتي تتمثل في عدد السكان
وموارد الثروة ((وأن العلاقة بين هذين العنصرين هي التي تحدد مدى قوة الدولة أو
ضعفها كمركب سياسي . أشار أرسطو إلى السلوك البشري وأثره في السياسة حيث ذكر أن
سكان البلاد الباردة وبصفة خاصة سكان أوروبا لديهم روح قوية ، ولكن ذكاءهم
ومهارتهم ومحدودين وهذا السبب في رأيه في أنهم يحيون حياة حرة نسبيا دون أن يحرزوا
أي تقدم سياسي، أما سكان آسيا في رأيه فهم موهوبون في الذكاء والمهارة الفنية ولكن
تنقصهم الروح وهم من أجل هذا يحيون حياة استعباد وتبعية))
أما
في سنة ( 63 – 21 ق .م ) فقد أشار استرابو في كتابه "الجغرافيا" حول
الإمبراطورية الرومانية وإمكانياتها من حيث تميزها وتمتعها بالموقع والمناخ المميز
والملائم وتوفر الموارد المختلفة من أجل ذلك فهي تملك المقومات الأساسية لقيام
دولة (الإمبراطورية الرومانية) .
أما
ابن خلدون المتوفي سنة 880 هـ فقد أشار في مقدمته (مقدمة ابن خلدون) ميل وسكان وسط
أفريقيا إلى الدعة والمرح على ضوء ظروف المناخ السائدة هناك، ووضع قوانين توضح
تطور الدولة واحتلالها على أساس رابطة الدم التي تجمع بين أفراد القبيلة وتشد
بعضهم إلى بعض .
وانتقالا
إلى العصور الوسطى فقد أشار "بوادن" (1530 – 1595 م) في كتابه "six
livers de la republique" علاقة الخصائص القومية
المختلفة مرتبطة باختلاف المناخ والسطح (التضاريس) كما عند شعوب الأقاليم الباردة
والمناطق الجبلية حيث يتميزون بالقوة والنظام والشجاعة وحيث أن الشخصية القومية
تتشكل وفق البيئة التي يعيش فيها، لذلك فإن التركيب السياسي للدول يتأثر إلى حد كبير
بهذا التباين .
ومن بعده جاء مونتسيكيو (1689 – 1755 م) فقد أشار في كتابه "روح
القوانين" إلى ارتباط المناخ البارد يرتبط في العادة بالحرية السياسية، على
العكس من المناخ الحار الذي يؤدي إلى العبودية المطلقة، وأما السهول الواسعة فهي
تسمح بإنشاء إمبراطوريات فيها، والجبال تنمي الشعور بالاستقلال والحرية ، وسكان
الجزر (الجزر البريطانية) يمكنهم أن يدافعوا عن حريتهم بفعالية أكثر من سكان
الجهات القارية .
أما فرديرك راتزل (1844-1904 م ) فقد كانت له اسهامات كبيرة جدا في
علم الجغرافيا السياسية والدراسات الطبيعية ، وقد نشر في سنة 1896 م مقالا عنوانه
"قوانين النمو الأرضي للدولة" حيث وضع مجموعة من القوانين سميت
"قوانين التوسع السبعة" وعلى أساسها تنمو الدول وهي :
1- إن رقعة الدولة تنمو
بنمو الثقافة فكلما انتشر السكان وحملوا معهم طابعا خاصا للثقافة، فإن الأراضي
الجديدة التي يحتلها هؤلاء تزيد في مساحة الدولة .
2- إن نمو الدولة عملية
لاحقة لمختلف مظاهر نمو سكانها، وهذا النمو يتبع التوسع التجاري والنشاط التبشيري
.
3- إن نمو الدولة يستمر
حتى تصل إلى مرحلة الضم، وذلك بإضافة وحدات صغيرة إليها .
4- إن حدود أية دولة
تكون العضو الخارجي للدولة وتحدد مدى نموها .
5- إن الدول في نموها
تسعى إلى ضم الأقسام السياسية المختلفة مثل السهول والأنهار والمناطق الساحلية
والمناطق الغنية بثروتها المعدنية أو بإنتاجها الغذائي .
6- إن المحرك الأول
للتوسع الأرضي بالنسبة للدول البدائية يأتي من الخارج على يد حضارة أعلى من
حضارتهم .
7- إن الميل العام
للتوسع ينتقل من دولة إلى دولة أخرى ، ثم يتزايد ويشتد .
العلاقة بين الجيوبولتيكا
والجغرافيا السياسية
بسبب التداخل بين الجيوبولتيكا والجغرافيا السياسية خلط الكثير من
الكتاب بين العلمين ، وكما أوضحنا سابقا من خلال المفاهيم أن الجيوبولتيكا تتناول
حيوية الدولة وحركتها في مجالها الاقليمي وفي المجتمع الدول في ضوء الحقائق
الجغرافيا ، فإن الجغرافيا السياسية تدرس الحقائق الجغرافية السياسية تهتم بتحليل
بيئة الدولة تحليلا موضوعيا ، أما الجيوبولتيكا فتقوم على دارسة الدولة من ناحية
مطالبها وأهدافها على مستوى السياسة الدولية .
والدراسات الجيوبولتيكا هي دراسة متحركة وهي عرضة لعوامل التغيير ،رغم
ذلك يبقى العامل الجغرافي مؤثرا في العلاقات الدولية وهي لا تتوقف عند دراسة
وتحليل الحواد الماضية ، بل تتعدى ذلك إلى دراسة الحاضر وما سيكون عليه المستقبل .
إلى جانب أن الفرق بين العلمين أن الجغرافيا السياسية تهتم بدراسة
الدولة كما هي كائنة أما الجيوبولتيكا تسعى للدراسة وفق المعطيات الجغرافية .
و الجيوبولتيكا تستمد مادتها من أربعة مصادر
1- الجغرافيا السياسية
2- والتاريخ
3- الدراسات التخصصية (في
موضوعي الإمبرايالية /الاستعمار)
4- والاستراتيجية
العسكرية (البحرية والجوية)
ولبعض مواد الجيوبولتيكا عناصر ، حيث التاريخ له عناصر ثلاثية
(الإنسان والمكان والزمان) و الجيوبولتيكا لها عنصران أيضا (الأرض والدولة) .
((كما أن الجيوبولتيكا
ترتبط بالإمبريالية والدراسات المتعلقة بها . فالعمل على تأسيس الإمبراطوريات كان
من الصفات المميزة لسياسات دول المحور منذ قيام الفاشية والنازية والنزعة العسكرية
اليابانية . يقابل هذا من الناحية الأخرى الرغبة الطبيعية عند الدول الاستعمارية
الكبرى المحافظة على ممتلكاتها ))
أما
الدراسات الاستراتيجية العسكرية والبحرية والجوية من المصادر المهمة التي تستمد
منها الجيوبولتيكا مادتها ،
ويتزعم القائد كلاوس فيتز جميع من كتبوا عن القوة البرية ، أما الأميرال ماهان
يمثل المرجع الأول في كل ما يتعلق بالقوة البحرية . أما الماجور سيفيرسكي فيتحل
مكانة كبيرة في المجال الجوي .
ومعناه أن الجيوبولتيكا
تستفيد من تجارب الحروب التي أحدثتها الحروب الماضية للدراسات التي تعني هذا
المجال .